برز اسم صلاح عبد الحق مؤخراً في سياق غير مألوف، إذ تبنت جماعة “الإخوان المسلمين – جبهة لندن” الإرهابية مواقف علنية داعمة لإيران، خلال التصعيد الذي شهدته المنطقة بين طهران وتل أبيب في حرب الأيام الاثني عشر، فقد وجه عبد الحق الذي يشغل منصب القائم بأعمال المرشد العام منذ يوليو 2023، رسالة مفتوحة في منتصف يونيو الجاري إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، أكد فيها “وقوف الجماعة إلى جانب إيران في مواجهة العدوان الصهيوني الغادر”، وعزى إيران في ضحايا الهجمات الإسرائيلية.
هذا الموقف العلني يُثير تساؤلات حول طبيعة هذا التقارب المفاجئ: هل هو مجرد توافق مصالح ظرفي بين الطرفين أم أنه اصطفاف استراتيجي طويل الأمد ينبئ بتحول أعمق في نهج جماعة الإخوان الإرهابية؟ انطلاقًا من هذا التساؤل، تسعى هذه الورقة إلى تحليل أبعاد دعم صلاح عبد الحق لطهران، من حيث خلفياته الأيديولوجية، ومظاهره الراهنة، وانعكاساته المحتملة على مستقبل الجماعة وتحالفاتها الإقليمية.
خلفية: من هو صلاح عبد الحق وجبهة لندن؟
صلاح عبد الحق هو قيادي مخضرم في جماعة الإخوان المسلمين، من مواليد القاهرة عام 1945، عاش خارج مصر منذ منتصف الثمانينيات، واشتهر بعمله في المجال التربوي والفكري داخل التنظيم بعيداً عن الأضواء السياسية، تدرج في صفوف الجماعة حتى اختير عضوًا بمجلس الشورى العام وممثلاً عن إخوان الخارج، ثم انتُخب في مارس 2023 قائماً بأعمال المرشد خلفاً لإبراهيم منير (الذي توفي في نوفمبر 2022).
يُنظر لعبد الحق على أنه ينتمي إلى التيار المحافظ التقليدي داخل الإخوان – التيار الذي يتمسك بصلابة أيديولوجية ويرفض المراجعات الفكرية أو الانفتاح السياسي – وقد بقي لعقود بعيداً عن القيادة العلنية، لكنه حظي بثقة جناح “الحرس القديم” في التنظيم، وتعكس رؤاه قدرًا من التشدد العقائدي؛ إذ يميل إلى أطروحات الثورة الإسلامية الإيرانية أكثر من مراعاة خصوصيات الواقع الوطني العربي.
وبحسب ما نُقل عنه في لقاءات محدودة أعرب فيها عن إعجابه بـ”صرامة” النظام الإيراني و”صموده في وجه الإمبريالية”، وهي مواقف منسجمة مع نزعة الإخوان الأكثر راديكالية تاريخياً، وهذا التوجه ساهم في تبلور ما يُعرف اليوم داخل الجماعة بـ”جبهة لندن” التي يقودها عبد الحق، في مقابل “جبهة إسطنبول” التي يقودها محمود حسين من أنقرة، ضمن صراع أجنحة محتدم منذ سنوات.
انقسام التنظيم بين لندن وإسطنبول:
شهدت الجماعة بعد 2013 انشقاقاً هيكلياً قسم قيادتها بين جناحين متنافسين: أولهما جناح لندن الذي مثله إبراهيم منير ثم صلاح عبد الحق، والثاني جناح إسطنبول بقيادة الأمين العام السابق محمود حسين. وسعت جبهة لندن مؤخراً لإعادة هيكلة القيادة وتنحية المرشد التاريخي محمد بديع (المسجون حاليًا في مصر) بغية تجديد دماء التنظيم، مستندةً إلى حجة “جمود القيادة الحالية”. في المقابل، رفضت جبهة إسطنبول تلك التحركات واعتبرتها انقلاباً غير شرعي على الشرعية التقليدية للجماعة.
تداخل هذا الصراع مع تراجع الدعم الخارجي للتنظيم؛ فتركيا التي استضافت قيادات إسطنبول أعادت حساباتها مع مصر، ودول خليجية كانت ملاذاً تاريخياً للإخوان باتت تناصبهم العداء، وضمن هذا المشهد تبحث كل جبهة عن مصادر نفوذ وتمويل جديدة، وقد عانت “جبهة لندن” مالياً بعد تضييق الخناق على شبكات تمويل الإخوان التقليدية، مما دفعها لمواجهة تحدٍ لإثبات قدرتها على توفير الدعم لمشاريعها، هذا السياق قد يفسر جزئياً ميل جناح عبد الحق نحو طهران كحليف غير تقليدي، في محاولة لسد الفراغ المالي والسياسي الذي تعانيه الجماعة.
مظاهر التقارب العلني بين جبهة لندن وطهران:
بيانات الدعم المفتوحة لإيران: تصاعد التقارب إلى العلن بإصدار جماعة الإخوان (جبهة لندن) بيانات رسمية تؤيد إيران في نزاعها مع إسرائيل، البيان الأول الذي صدر عن المتحدث الإعلامي باسم الإخوان اعتبر الضربات الإسرائيلية على إيران “عدواناً خطيراً على دولة إسلامية”، وطالب برد سياسي موحد من العالمين العربي والإسلامي. أما البيان الثاني فكان رسالة صلاح عبد الحق إلى خامنئي ذاته، يؤكد فيها “دعم الجماعة الكامل لإيران في مواجهة العدوان الصهيوني الغادر”، واستخدم عبد الحق في خطابه لغة حماسية دينية، رابطاً الهجمات الإسرائيلية على إيران بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واصفاً إسرائيل بأنها تسعى لإضعاف “مراكز القوة في المنطقة، بما في ذلك إيران وجماعة الإخوان” بدعم أمريكي وغربي، كما شدد على مفهوم وحدة الأمة الإسلامية كسلاح أساس ضد “الكيان الصهيوني” داعياً لتجاوز الخلافات بين المسلمين. ومن اللافت أن خطاب عبد الحق تجاهل تماماً أي إشارة لدور إيران الإقليمي المثير للجدل، فلم يتطرق مثلاً إلى دعم طهران لمليشيات مسلحة أو تأجيجها صراعات طائفية في سوريا واليمن والعراق، بل صور إيران كـ”بطل مُقاوم” يتعرض لمؤامرة صهيو-أمريكية، وهذا التحييد المتعمد للانتقادات تجاه إيران يتقاطع بوضوح مع خطاب الإعلام الإيراني ذاته؛ حيث تُقدم طهران كراعية للمقاومة دون ذكر لهيمنتها الإقليمية وأثرها المدمر في دول عربية عدة.
التناغم الإعلامي وحملات مشتركة: بالتوازي مع البيانات، لوحظ أن محتوى وسائل إعلام محسوبة على الإخوان أو المتعاطفين معهم بات يتقاطع موضوعياً مع ما تبثه المنصات الإيرانية مثل قناة “العالم” الإيرانية و”المنار” التابعة لحزب الله اللبناني، فقد ركز خطاب الجماعة الإرهابية على أن الخطر الحقيقي هو إسرائيل وحدها، مع إغفال أي نقد لإيران، وهي نفس الرسالة التي تكررها قنوات طهران، بل إن شخصيات إخوانية بارزة في دول أخرى انضمت لهذا الخطاب: في المغرب مثلاً أعلن عبد الإله بنكيران (رئيس حكومة سابق وزعيم حزب العدالة والتنمية) دعمه العلني لإيران قائلاً إنها “الوحيدة التي لا تزال تدافع عن فلسطين” رغم قطيعة بلاده مع طهران، وفي تونس صرح رفيق عبد السلام (وزير خارجية أسبق من حركة النهضة) أنه “ليس لدينا خيار سوى الوقوف مع إيران” في وجه الحرب الإسرائيلية، وهذه التصريحات المنسجمة من أطراف إخوانية مختلفة توحي وكأن هناك توجهاً منسقاً لتحريك سردية جديدة تصب في صالح محور طهران، وتقديم محور “المقاومة” كبديل أخلاقي عن الأنظمة العربية المطبعة مع إسرائيل. بالتالي، من المحتمل أن جبهة لندن قامت بتنسيق هذه المواقف ضمن ما وُصف بملحق جبهة لندن – أي الحلقة الضيقة المحيطة بعبد الحق – والتي يُعتقد أنها تتواصل بعيداً عن الأضواء مع جهات إيرانية لتنظيم حملات إعلامية مشتركة تخدم أهداف الطرفين.
تواصل خلف الكواليس: تشير تقارير سياسية وإعلامية متعددة إلى وجود اتصالات غير معلنة بين قيادات جبهة لندن وشخصيات إيرانية (سواء دبلوماسيين أو ممثلي الحرس الثوري الناشطين في أوروبا)، وهذه الاتصالات تهدف إلى تعزيز تقاطع المصالح بين الجانبين في عدد من ملفات المنطقة، فعلى سبيل المثال يُتهم جناح لندن بالسعي للتنسيق مع طهران في الشأن اليمني عبر تقريب وجهات النظر مع جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً، وربما دعم مبادرات تهدئة أو تسويات تخدم الطرفين، أما ملف المعارضة البحرينية (ذات الغالبية الشيعية) فهناك مؤشرات على أن شبكات الإخوان في لندن قد تواصلت مع ناشطين بحرينيين معارضين مقربين من إيران، تحت مظلة دعم حقوق الإنسان والديمقراطية، الأمر الذي قد يخدم أجندة طهران ضد حكومة البحرين التي تعتبر الإخوان أيضاً خصماً سياسياً. ورغم سرية هذه القنوات، سبق أن كُشف عن بعض معالمها تاريخياً؛ فقد عملت إيران في السنوات الماضية مع مكتب الإخوان في لندن لترتيب حوارات سنية–شيعية مشتركة، منها منتدى الوحدة الإسلامية الذي تأسس عام 2007 بدعم إيراني وتعاون مباشر مع إبراهيم منير (الأمين العام السابق للتنظيم العالمي للإخوان)، ومثل هذه النشاطات وفرت لطهران فرصة الحفاظ على صلات دافئة مع الإخوان المصريين عبر بوابة لندن، لذلك ليس مستغرباً أن تستمر هذه الصلات اليوم بقيادة صلاح عبد الحق، الذي يُنظر إليه كامتداد لنهج منير في الانفتاح على إيران ضمن إطار وحدة الأمة الإسلامية.
دعم مالي غير مباشر: في ظل انحسار موارد الإخوان التقليدية، تتردد مزاعم عن دعم مالي إيراني غير مباشر يتدفق نحو جماعة الإخوان (جبهة لندن) عبر قنوات ملتوية، فبعض المؤسسات الخيرية المسجلة في بريطانيا أو الهيئات الأكاديمية ربما استُخدمت كواجهة لضخ أموال من أطراف مقربة من النظام الإيراني إلى مشاريع أو منصات إعلامية مرتبطة بالإخوان، لكن لم تتوفر أدلة قطعية علنية على هذا التمويل بعد، إلا أن نمط التحركات يشير إلى احتمال كبير بأن طهران تسعى لملء الفراغ المالي الذي تعانيه جبهة لندن، ومما يعزز هذه الشكوك وجود شبكة معروفة في بريطانيا تسعى إيران عبرها لتعزيز نفوذها الناعم، فقد كشف تحقيق صحفي في 2023 عن شبكة من الأكاديميين ومحللي مراكز الأبحاث مرتبطة بوزارة الخارجية الإيرانية، هدفها التأثير وكسب المتعاطفين في أوروبا، كما أثار الإعلام البريطاني في إبريل 2025 قضية لقاء مديرة مؤسسة خيرية في لندن مع مسؤول بالحرس الثوري الإيراني، محذرين من استغلال طهران للمؤسسات الخيرية لمد نفوذها، وهذه الشواهد وإن لم تكن متعلقة مباشرة بالإخوان، لكنها ترسم صورة للمناخ الذي يمكن أن تعمل خلاله قنوات التمويل السرية. وعليه، فإن استفادة جبهة لندن من دعم إيراني عبر وسطاء تظل فرضية منطقية في سياق التحالف الناشئ، لا سيما وأن مصادر داخلية أفادت أن جبهة إسطنبول ماتزال تحتفظ بنفوذ قوي في شبكات الدعم المالي القديمة، مما اضطر جبهة لندن للبحث عن روافد بديلة.
دوافع التقارب: توافق مرحلي أم تغيير استراتيجي؟
أثار هذا التحالف المستجد تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراءه، هل يتلاقى الطرفان فقط بحكم عداوات مشتركة (إسرائيل والغرب وبعض الأنظمة العربية)؟ أم أن هناك تقارباً أيديولوجياً أعمق يسعى عبد الحق لترسيخه بين الإخوان وطهران؟
عدو مشترك يوحد الصفوف: من المنظور البراجماتي، يجمع جماعة الإخوان الإرهابية والنظام الإيراني خصوم مشتركين على رأسهم إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون، فبالنسبة لجبهة لندن جاء التصعيد الإسرائيلي ضد إيران بمثابة فرصة سانحة لإعادة تقديم الجماعة كلاعب في محور “المقاومة الإسلامية”، وبالتالي استعادة شيء من الشرعية الثورية التي بهتت بعد عقد من تراجعات الربيع العربي. الموقف المتشدد ضد إسرائيل منح الإخوان منصة للهجوم على خصومهم الداخليين والخارجيين، واتهام الأنظمة العربية المطبعة بالعجز والخيانة، في المقابل ترى طهران فائدة في كسب الإخوان إلى صفها، فالجماعة السنية – رغم ضعفها الراهن – تملك امتدادات شعبية وتنظيمية في العالمين العربي والإسلامي قد تساعد إيران على توسيع نفوذها بتكلفة بسيطة، وهذا التلاقي تكتيكي بالدرجة الأولى؛ حيث يضع الطرفان خلافاتهما المذهبية جانباً ويلوحان براية القضية الفلسطينية كجامع مشترك يبرر التقارب، ويعلق الباحثون أن تحالف الإخوان مع إيران لا يستند بالضرورة إلى قناعة دينية متينة بقدر ما هو حسابات براجماتية بحتة؛ فعداء طهران لإسرائيل ودعمها لحماس وخطابها المناهض للغرب يوفر للإخوان منفعة مباشرة، إنه توافق مصالح يلبي حاجة كلا الطرفين في هذه اللحظة، إذ إيران تحتاج حلفاء سنة في حربها الدبلوماسية ضد عزلتها، والإخوان بحاجة لداعم قوي بعدما فقدوا حواضن عربية عديدة.
إرث أيديولوجي قديم: رغم براجماتية التحالف، لا يمكن تجاهل وجود رابط فكري تاريخي بين الإسلام السياسي السني والشيعي ساهم في تمهيد الأرضية الحالية، فمنذ عقود طويلة نادى مؤسس الإخوان حسن البنا بالتقريب بين المذاهب في مواجهة الاستعمار والصهيونية، حتى أنه أقام صلات مع شخصيات من قبيل الداعية الإيراني نواب صفوي الذي عرف الخميني على فكر الإخوان، ولاحقاً لعبت أدبيات سيد قطب دوراً في إلهام قادة الثورة الإيرانية؛ إذ ترجم علي خامنئي أعمال قطب إلى الفارسية وجعلها ضمن الركائز النظرية للثورة الإيرانية عام 1979، وهذا التشابك الفكري ظهر أيضاً في نماذج مثل حركة حماس التي هي فرع إخواني يمزج بين فكر سني ودعم إيراني منذ تأسيسها، إذن هناك أرضية أيديولوجية مشتركة عنوانها العام “الإسلام السياسي” رغم الاختلاف المذهبي. صلاح عبد الحق وتياره المحافظ يبدوان أكثر انسجاماً مع هذه الأرضية؛ فهو ينظر لوحدة الأمة الإسلامية من منظور عقائدي وروحي يتجاوز الخلاف السني–الشيعي، وربما يرى في إيران نموذج دولة إسلامية ثورية صامدة بوجه الغرب، وهو طموح لطالما راود ذهنية الإخوان في نسختهم الأكثر تشدداً، بالتالي قد يعتبر جناح عبد الحق أن الاصطفاف مع طهران ليس مجرد تكتيك، بل خيار استراتيجي لإحياء مشروع “الأمة الإسلامية الواحدة” الذي يتخطى حدود سايكس بيكو ويعيد ترتيب التحالفات على أساس ديني، وقد أكد في رسالته لخامنئي هذا المعنى عندما وصف الأمة الإسلامية بأنها “حقيقة دينية وحضارية وجيوسياسية لا تفرقها الحدود ولا المذاهب”، داعياً لرؤية استراتيجية مشتركة تضع المقاومة في قلب الأولويات، وهذا الكلام يحمل دلالات أيديولوجية عميقة توحي بأن عبد الحق لا يرى غضاضة في الاصطفاف مع جمهورية ولاية الفقيه طالما يخدم مشروع نهضة إسلامية ضد الهيمنة الغربية.
البحث عن داعم بعد نضوب الدعم الإقليمي: عانى الإخوان منذ عام 2013 من خسارة حلفاء إقليميين تقليديين، فبعد الإطاحة بحكم الإخوان في مصر عقب ثورة 30 يونيو، تبنت دول الخليج سياسات معادية لهم وقطعت شرايين التمويل، كما شهدت تركيا مؤخراً تقارباً مع مصر انعكس بضغط على نشاط الإخوان هناك. في هذا السياق، تبدو إيران خياراً مغرياً لتعويض تلك الخسائر، فطهران يمكن أن توفر ملاذاً لبعض الكوادر، ومنابر إعلامية بديلة (عبر تمويل قنوات أو منصات مشتركة)، وربما دعمًا ماليًا (بصورة غير مباشرة كما أُسلف)، حيث تشير تحليلات إلى أن جناح لندن يسعى منذ فترة لتكثيف وجوده الخارجي لتعويض ضعفه الداخلي في مصر، ويصور نفسه على أنه ما زال يقود تنظيمًا دوليًا ذا صلات عابرة للبلدان، ومن الواضح أن التنسيق مع إيران يخدم هذه الإستراتيجية؛ إذ يعطي الجبهة ورقة قوة في مواجهة جناح إسطنبول عبر إظهار قدرتها على تأمين حلفاء دوليين أقوياء وتمويل لقنواتها الدعوية. وبهذا قد يكون الدافع النفعي المباشر لعبد الحق هو البقاء والشرعية، أي أن يظهر لصفوف الإخوان المشتتة أن جناحه قادر على تحصيل دعم من قوة إقليمية كبرى، مما يبرر أحقيته بقيادة التنظيم العالمي.
ردود الفعل والانقسام داخل الجماعة:
إزاء هذا الميل المفاجئ نحو إيران، لم يمر الحدث دون جدل داخلي عميق في صفوف الإخوان المسلمين، ففي حين يمضي صلاح عبد الحق في هذا الاتجاه مدفوعاً برؤية “وحدة الأمة ضد العدو المشترك”، فإن أطرافاً أخرى في الجماعة – خاصة تلك التي اكتوت بنار السياسات الإيرانية – رفضت بشدة هذا النهج واعتبرته خيانة لمظلومية الشعوب السنية في المنطقة، وأبرز تلك الأطراف كان فرع الإخوان في سوريا الذي بادر إلى اتخاذ موقف علني قوي مناقض لجبهة لندن.
إخوان سوريا – رفض قاطع و”براءة من المجرمين”: عقب رسالة عبد الحق لخامنئي، سارعت جماعة الإخوان في سوريا إلى إصدار بيان رسمي يعلن التبرؤ الكامل من موقف التنظيم الدولي الداعم لإيران، وجاء بيان إخوان سوريا شديد اللهجة، واصفاً النظام الإيراني بـ”القتلة والمجرمين” ومسؤولاً عن تدمير العراق والشام واليمن وتهجير الملايين، وأكد البيان أن موقف إخوان سوريا من إيران لا يقل عداءً عن موقفهم من إسرائيل، فكلاهما في نظرهم “طرفا إجرام يتصارعان على النفوذ والهيمنة في المنطقة على حساب الشعوب”، وذكّروا بتجربة الشعب السوري مع نظام الأسد السابق المدعوم إيرانياً، مشددين أنهم لن يقعون في فخ “المجرم الماكر”، في إشارة إلى طهران. حتى أنهم اعتبروا أي بيان ينحاز لإيران “لا يمثلهم” بل يمثل فقط من أصدره، وهذا الموقف المتصلب يعكس حجم الهوة بين رؤية جناح لندن ورؤية الفروع الميدانية كفرع سوريا الذي دفع أثماناً باهظة أمام المشروع الإيراني. إخوان سوريا برروا رفضهم بأن بوصلة جماعتهم وطنية بحتة وأنهم يرفضون التبعية لأي قوة أجنبية سواء إسرائيلية أو إيرانية، ويمكن فهم هذا الموقف على أنه صراع هوية وأولويات، فإخوان سوريا يرون أولويتهم إزالة ما تبقي من النفوذ الإيراني الذي دعم نظام الأسد القمعي، ولا يستطيعون القبول بتصوير إيران كشريك أو حليف ولو تكتيكي، وهذا ما عبر عنه مراقب الجماعة في سوريا حين قال إنهم يعتبرون الإيرانيين عدواً أساسياً لهم، رافضين أي تقارب سني–شيعي في ظل الدماء التي سفكها الحرس الثوري.
بوادر انقسام أوسع: ما فعله فرع سوريا قد لا يكون حالة معزولة؛ فثمة مؤشرات أن فروعاً أخرى تتململ من خطوة جبهة لندن، حيث بات التنظيم الدولي للإخوان عاجزاً – فيما يبدو – عن ضبط تباين المواقف القطرية. فبالإضافة إلى سوريا، قد تكون فروع في دول عانت سياسات إيران (مثل اليمن حيث قاتل الإخوان الحوثيين، أو العراق حيث همش النفوذ الإيراني مكونات سنية، وحتى فلسطين/غزة فبالرغم من أن إيران تدعم حماس ولكنها أيضاً تدعم الجهاد الإسلامي المنافس أحياناً) غير مرتاحة لارتماء القيادة الدولية بأحضان طهران، حتى داخل جناح إسطنبول نفسه ربما هناك انقسام، بعضهم قد يشارك لندن الحماس ضد إسرائيل (وقد لوحظ أن إسطنبول أيضًا أيدت حزب الله خلال حرب غزة 2023)، بينما آخرون يحذرون من خسارة التعاطف الشعبي السني عبر هذا التحالف، ومع أن الصراع بين جناحي لندن وإسطنبول أصلاً كان محتدماً حول شرعية القيادة، لكن جاء الخلاف حول إيران ليزيده تعقيداً، ووصف مراقبون ما يجري بأنه “زلزال جديد” يهز التنظيم الدولي، قد تمتد ارتداداته لتشمل فروعاً في شمال إفريقيا والمشرق.
تعرض وحدة الصف الإخواني لاختبار قاس: ففكرة وحدة الأمة الإسلامية التي طالما رفعتها الجماعة الإرهابية تبدو الآن شعاراً أجوف يتهاوى تحت وطأة المصالح المتضاربة، حيث يعتقد جناح لندن أنه يستعيد دوراً سياسياً بارزاً عبر التحالف مع إيران، بينما ترى فروع كسوريا والأردن أن هذا الدور يأتي على حساب مبادئ السنة وجراحهم، ويبرز هنا تساؤل حيوي: هل نشهد إعادة تشكل للجماعة إلى كيانات مستقلة فكرياً؟ حيث أن إخوان سوريا حسموا أمرهم «إيران عدو كإسرائيل»، بينما إخوان مصر/لندن يدون أن «إيران حليف ضد إسرائيل»، وهذه معادلتان متناقضتان تماماً، وهذا الخلاف يمهد لمزيد من التشرذم وربما انشقاقات رسمية بين جناحي التنظيم، وقد يظهر خط ثالث شبابي أو إصلاحي يرفض الاصطفاف مع إيران ويرفض أيضاً القيادة التقليدية، مما يعقد المشهد أكثر بالنسبة لجماعة الإخوان.
الاصطفاف مع طهران: إلى أين؟ (السيناريوهات المتوقعة)
بالنظر إلى التطورات أعلاه، يمكن استشراف مسارين محتملين لتحالف صلاح عبد الحق مع إيران خلال الفترة المقبلة، إما أن يبقى توافقاً مرحلياً محدوداً بظروف آنية، أو يتطور إلى اصطفاف استراتيجي راسخ يعيد رسم تحالفات الإسلام السياسي في المنطقة، وفيما يلي تفصيل لكلا السيناريوهين، مع المؤشرات التي قد ترشد صانع القرار إلى الاتجاه الذي يسير فيه الموقف فعلياً:
السيناريو الأول: توافق مصالح ظرفي وتراجع تكتيكي (السيناريو الأكثر ترجيحًا)
في هذا السيناريو، يظل تقارب الإخوان (جبهة لندن) مع إيران محدود الأمد ومرتبطاً بتطورات الصراع مع إسرائيل، أي أنه اصطفاف ظرفي تغذيه حالة التصعيد، لكن قد لا يصمد أمام اختبار الزمن، ومن أبرز ملامحه المحتملة:
اقتصار الدعم على الخطاب دون خطوات تنظيمية أعمق: تكتفي جماعة الإخوان بإصدار بيانات الدعم والتنسيق الإعلامي خلال فترة التصعيد ضد إيران، ولكنها لا تقدم على مشاريع مشتركة طويلة المدى مع طهران، مثلا قد لا نشهد فتح مكاتب رسمية أو عقد تحالفات علنية بين مؤسسات إخوانية وإيرانية بعد انتهاء الأزمة، حيث يكون التعاون أقرب إلى تحالف فضفاض، كل طرف يستفيد دعائياً من الآخر ضد عدو مشترك، ثم يتراجع عندما تخفت المواجهة.
ضغوط داخلية تُفرمل الاندفاع: الرفض الشديد من فروع مؤثرة (كسوريا والأردن) يشكل كابحاً يجعل عبد الحق يعيد حساباته، ربما تضطر جبهة لندن تحت هذا الضغط إلى تليين خطابها إرضاءً للتيارات الداخلية، فتصدر توضيحات بأنها تدعم إيران “في مواجهة العدوان الصهيوني فقط” ولا تؤيد سياساتها الأخرى، أو قد تسعى لطمأنه قواعدها بأنها لا تنوي أي تقارب مذهبي أبعد من ذلك، وهذه اللغة المزدوجة قد تظهر في تصريحاتهم القادمة.
حساب الكلفة الشعبية: إذا استشعر جناح لندن أن القاعدة الشعبية السنية – حتى خارج الإخوان – غير متقبلة للتحالف مع إيران، فقد يتراجع خطوة، فالغالبية العربية ما زالت تشك بنوايا طهران، خاصة في بلدان عانت تدخلاتها، لذا قد يخشى الإخوان من فقدان دعم المتعاطفين والمعتدلين الذين يرون في ذلك نفاقاً أيديولوجياً، ومؤشر ذلك قد يكون تصاعد انتقادات من علماء دين سنة أو شخصيات إسلامية مستقلة ضد تقارب الإخوان مع إيران، إن حصل ذلك علناً واستقطب اهتماماً إعلامياً، فسيشكل ضغطاً يدفع الإخوان للتهدئة والتراجع.
تغير سياق الصراع الإقليمي: يفترض هذا السيناريو انه بعد وقف الحرب الإيرانية-الإسرائيلية، قد يجد الطرفان (الإخوان وطهران) أن التحالف فقد دوافعه الآنية، وربما تعود كل جهة لترتيب أولوياتها الأصلية، حيث يركز الإخوان على أزمتهم التنظيمية وصراعاتهم، وإيران تركز على ملفها النووي وعلاقتها مع الغرب، عندها قد يضعف التنسيق؛ فمثلاً قد تمر أحداث لاحقة (كأزمات جديدة في لبنان أو اليمن) دون موقف إخواني داعم لإيران كما حصل الآن، ما يُظهر أن المشهد الحالي كان طارئاً.
عدم الانتقال لمستوى التنسيق العملياتي: الأهم، ألا يتطور هذا التوافق إلى تنسيق أمني أو ميداني، أي لا نرى مثلاً دوراً للإخوان (جبهة لندن) في دعم مباشر لوكلاء إيران (كالحوثيين) أو المشاركة في أنشطة لوجستية مشتركة، ويظل التعاون سياسياً وإعلامياً فقط.
باختصار، في هذا السيناريو يتراجع التحالف تدريجياً مع زوال عوامل الضغط الحالية، وقد تُعيد جماعة الإخوان ضبط خطابها إلى الوسط بتأكيد أنها “جماعة سنية وسطية” وأن دعمها لإيران كان في إطار مبدئي ضد العدوان الخارجي وليس تزكية لكل سياسات إيران، ومثل هذا التوضيح ربما يأتي لقطع الطريق على من يستغلون الحدث للهجوم على الإخوان أمام شارع سني حساس تجاه إيران، ويذكر أن مواقف مماثلة حدثت تاريخياً، فبعد تقارب محدود خلف الكواليس في الثمانينات مثلاً، ظل الإخوان حريصين على نفي أي علاقة خاصة مع إيران تجنباً لإحراجهم أمام جمهورهم.
السيناريو الثاني: اصطفاف استراتيجي وتحالف ممتد (السيناريو الأقل ترجيحًا)
يفترض هذا السيناريو أن ما بدأ الآن ليس مجرد رد فعل انفعالي، بل نقلة نوعية في توجهات جناح لندن وربما جماعة الإخوان الإرهابية ككل على المدى الأطول، بحيث يتطور التواصل الحالي إلى تحالف شبه رسمي، له مظاهر سياسية وتنظيمية واضحة، ما يعني اصطفافاً استراتيجياً يغير قواعد اللعبة، وأبرز سمات هذا السيناريو:
تثبيت التحالف بخطوات مؤسسية: نرى انتقال العلاقة من مستوى الخطابات إلى مستوى الاتفاقات، حيث قد تبادر جماعة الإخوان (جبهة لندن) إلى إرسال وفود رفيعة إلى طهران للقاء مسؤولين هناك (بصورة علنية أو سرية) لوضع أسس تعاون مستمر، وربما تُنشأ لجنة تنسيق مشتركة (ولو غير معلنة) تبحث ملفات ذات اهتمام مشترك كالقضية الفلسطينية، وضع الإسلاميين في المنطقة، مواجهة التطبيع العربي مع إسرائيل… إلخ، وإذا شاهدنا مؤشرات على زيارات متبادلة (مثلاً لقاء بين عبد الحق وشخصيات إيرانية في أوروبا) فهذا يعني توطيداً للأواصر.
خطاب موحد طويل المدى: يتحول الخطاب الإخواني تجاه إيران من لهجة مجاملة وقت الأزمات إلى تبنٍ كامل لرواية “محور المقاومة” حتى في الأوقات العادية، مثلاً تستمر منصات الجماعة بإبراز إيجابيات إيران وغض النظر عن سلبياتها، وتكرر رسائل التقارب السني الشيعي، وربما يبدأ الإخوان بمهاجمة خصوم إيران بوضوح أكبر؛ فبدلاً من الاكتفاء بانتقاد إسرائيل وأمريكا، قد يصعدون لهجتهم ضد الحكومات المناهضة لإيران في المنطقة، متهمين إياها بخيانة الأمة، وهذا التطابق في السردية مع الإعلام الإيراني سيكون علامة على تشكل جبهة فكرية واحدة.
توسيع رقعة التنسيق الإقليمي: قد نشهد تنسيقاً عملياً على الأرض في ساحات إقليمية، مثلاً في اليمن يمكن – في هذا السيناريو – أن تضغط جبهة لندن على حزب “الإصلاح” (الواجهة السياسية للإخوان باليمن) لكي يخفف عداءه مع الحوثيين وربما يدخل في تفاهمات معهم برعاية قطرية/عمانية كجزء من تفاهم أكبر بين الإخوان وإيران، وفي سوريا قد تعيد شخصيات إخوانية النظر في موقفها، فتقبل بدور إيراني في حال قيام الرئيس الانتقالي أحمد الشرع بالتطبيع مع إسرائيل، وفي فلسطين التنسيق أصلاً قائم عبر حماس، لكنه قد يتوثق أكثر بمباركة إخوانية، أيضًا بالعراق ولبنان قد تخفف الجماعة نبرة انتقادها للفصائل الشيعية التابعة لإيران، بل وربما تنسج علاقات هادئة معها بعنوان “التعاون الإسلامي”، وكل ذلك يصب في خلق محور إسلامي واسع يضم الإخوان وإيران وحلفاءهما، في مواجهة المحور الآخر (الغرب وحلفائه العرب).
توحيد المواقف بين جناحي لندن وإسطنبول (أو تغليب أحدهما): إذا نجح جناح عبد الحق في مسعاه، قد ينجذب جناح إسطنبول تدريجياً لنفس الخط أو يتم تهميشه، وربما تسعى شخصيات من جبهة إسطنبول للمشاركة في التقارب مع إيران حتى لا يفوتها القطار، في ظل وجود تقارير تفيد بأن جناح إسطنبول لم يعترض علناً على بيان دعم إيران، بل ربما أيده بشكل غير مباشر، مما يوحي بأن اصطفافاً عاماً قد يحدث داخل الجماعة نحو هذا التوجه الجديد، بديل آخر هو انفراد جناح لندن بالقرار الدولي وتحوله لممثل الإخوان عالمياً، بحيث يتم تهميش المعارضين (كما حصل تاريخياً مع انشقاقات سابقة)، وعندئذ سيكرس التحالف مع إيران كسياسة رسمية للتنظيم الدولي.
استمرار التحالف رغم تغير الظروف: حتى في حال توقف جميع أشكال التصعيد بين إيران وإسرائيل أو تبدلت الحكومات، سيبقى التحالف قائم لأن دوافعه أصبحت استراتيجية (عداء مزمن للمحور المقابل) وليس ظرفية، فقد تدخل المنطقة مثلاً في تهدئة أو اتفاق مؤقت بين إيران والغرب، لكن تحالف الإخوان مع طهران يستمر كنوع من الاستعداد للمواجهة المقبلة أو كتحالف أيديولوجي ضد النفوذ الأمريكي بغض النظر عن وضع المعركة الآنية.
يترتب على هذا السيناريو تحولات جوهرية، جماعة الإخوان ستغير موقعها التقليدي كتيار سني مستقل لترتبط بمحور تقوده قوة شيعية، وهذا سيكون تطوراً تاريخياً غير مسبوق منذ تأسيس الجماعة الإرهابية قبل قرن تقريباً، وبالطبع سيصاحبه مخاطر، منها فقدان قطاعات شعبية سنية، لكن في المقابل قد يكسب الإخوان رصيداً في معسكر “الممانعة” – أو ما تبقي منه بسبب تداعيات الضربات الإسرائيلية – ويستفيدون تنظيمياً ومادياً لاستمرارهم.
التوصيات:
سواء اتجه تقارب الإخوان-إيران ليكون عابراً أو راسخاً، فإن صانع القرار العربي خاصة في الدول التي تواجه كلا الطرفين (مثل مصر والخليج) عليه الاستعداد لنتائج مهمة:
تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي: إذا تبين أن هناك تعاوناً بين شخصيات إخوانية في المنفى وجهات إيرانية (كالحرس الثوري أو الاستخبارات) فإن ذلك يستدعي رفع اليقظة الأمنية، فقد تستخدم إيران شبكة الإخوان لمد نفوذها داخل المجتمعات السنية في الدول المستهدفة، سواء عبر نشر رسائل تعبئة أو حتى أنشطة تخريبية سرية، كما ينبغي للأجهزة المختصة مراقبة قنوات الاتصال التي تربط الطرفين (مثل جمعيات في أوروبا، لقاءات مؤتمرات إسلامية، الخ) لرصد أي تحول من التنظير إلى التخطيط العملي، كذلك استمرار التعاون مع الحلفاء الغربيين خصوصاً وأن بريطانيا بدأت تنتبه لأنشطة إيران عبر الجمعيات وقد تضع نظاماً لمراقبة النفوذ الأجنبي.
تحصين الجبهة الداخلية إعلامياً ودينياً: هذا التقارب يمنح خصوم الدول العربية (الإخوان وإيران) مادة دعائية قوية باسم نصرة فلسطين والمقاومة، لذا يجب على حكومات المنطقة استباق الخطاب بشرح موقفها مثلاً التأكيد أنها ضد العدوان الإسرائيلي ولكنها أيضاً ضد استغلال القضية لتبرير اختراق إيراني، كذلك تفعيل دور المؤسسات الدينية المعتدلة لبيان خطورة خلط الرايات بين منهج أهل السنة ومنهج إيران الطائفي، حتى لا يلتبس الأمر على العامة، أما على صعيد الإعلام ينبغي كشف التناقض في تحالف الإخوان وإيران وتسليط الضوء على سجل إيران في قمع أهل السنة (في سوريا والعراق وغيرها) لتقويض سردية “البطل المقاوم” الأحادية، أيضًا فضح أي صفقات خلفية بين الطرفين إن توفرت معلومات موثوقة، لإظهار أن ما يجري ليس وحدة إسلامية مثالية بل تبادل منافع قد يضر بمصالح الشعوب العربية.
استثمار الانقسام داخل الإخوان: من زاوية استراتيجية، يمكن التواصل مع التيارات الإخوانية الرافضة لإيران (كإخوان سوريا وربما غيرهم) وتشجيع مواقفها، بهدف تعميق الخلاف داخل التنظيم وإضعافه، فكلما احتدم الصراع بين جناحي الإخوان، قلت قدرة الجماعة على المناورة كقوة موحدة، وقد ظهر بالفعل أن إخوان سوريا يقفون في صف الدول العربية التي تعتبر إيران تهديداً، إن دعم هؤلاء – ولو معنوياً أو عبر منصات إعلامية – قد يساهم في تعطيل الإخوان الآخرين من المضي بعيداً مع طهران خوفاً من الانشقاق الكامل.
متابعة التحولات داخل محور إيران نفسه: فتحالف كهذا يعتمد أيضاً على حسابات طهران، حيث ينبغي مراقبة ما إذا كانت إيران جادة في الاستثمار بالإخوان إلى حد التحالف المفتوح، أم أنها خطوة تكتيكية منها أيضاً، مثلاً التقارب الجاري بين إيران وكلأ من مصر والسعودية، ربما تقل حماسة إيران تجاه الإخوان وتعتبرهم ورقة ضغط ليس إلا، بالتالي على صانع القرار أن يبقى مرناً مدركاً أن اصطفافات المنطقة سيولة، فاليوم طهران تحتاج الإخوان غداة حرب، غداً قد تعقد صفقة مع خصومهم، وبالتالي بناء السياسات يجب أن يكون على الوقائع المستجدة وليس النوايا المعلنة فقط.
خاتمة:
في المحصلة، يبدو دعم صلاح عبد الحق الصريح لإيران حدثاً مفصلياً يُبرز تحولاً في تكتيكات الإخوان الإرهابية تحت وطأة التحولات الإقليمية، فالجماعة التي طالما تبنت خطاباً حذراً تجاه إيران وجدل التشيع، تجد إحدى جبهاتها اليوم تصطف مع طهران علناً، في مشهد يكسر كثيراً من المحرمات السياسية والمذهبية، هل هو توافق مصالح مؤقت أم تحالف إستراتيجي جديد؟ المرجح أن فيه قدراً من الإثنين معاً، فهو تحالف انتهازي يستغل اللحظة الراهنة التي تآكلت فيها الثقة بالمنظومة الغربية وضعف بعض الأنظمة العربية أمام السياسات الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة، ولكنه أيضاً قد يتعمق بمرور الوقت بفعل عوامل أيديولوجية وتنظيمية تدفع الجانبين لمزيد من التقارب، لكن التجارب السابقة تشير أن التنظيمات الأيديولوجية – حتى في لحظات ضعفها – تمتلك قدرة عالية على التكيف والتلون في تحالفاتها بحثاً عن البقاء.
المصادر:
“الإخوان” في رسالة لخامنئي: العدوان على إيران استهداف للمقاومة بأكملها، موقع عربي21، 18/6/2025، متاح على: https://n9.cl/xk2jo.
فيديوجرف بعنوان «تفاصيل إعلان جماعة الإخوان المسلمين دعمها لإيران في مواجهة دولة الاحتلال»، شبكة رصد الإخبارية، 19/6/2025، متاح على: https://n9.cl/hrvpjo.
انقسام إخواني في الموقف تجاه إيران… التنظيم السوري يتبرأ من جبهة لندن، موقع حفريات، 23/6/2025، متاح على: https://n9.cl/k9l2y8.
“الإخوان” من الأمة الواحدة إلى مرحلة تفكك منظم، إندبندنت عربية، 27/6/2025، متاح على: https://n9.cl/f8g8ok.
محمد جمال هلال، الحرب وبيانات الإخوان، موقع قناة الشعوب، 21/6/2025، متاح على: https://n9.cl/cbj6p.
“الإخوان المسلمون” في سوريا تعلن تبرؤها من بيان الجماعة الداعم لإيران، موقع تلفزيون سوريا، 20/6/2025، متاح على: https://n9.cl/qn1r3.
أحمد طه، تناقض “الإخوان” والعدوان على إيران، موقع العربي الجديد، 26/6/2025، متاح على: https://n9.cl/5romx.
عصام تليمة، رسالة الإخوان لمرشد إيران بتأييدهم ضد الكيان، موقع عربي21، 19/6/2025، متاح على: https://n9.cl/79zph.
تنظيم الإخوان الإرهابي.. تشققات تبشر بالانهيار، موقع 24 الإماراتي، 25/6/2025، متاح على: https://n9.cl/smfjp.
عمار فايد، المشكلة ليست إيران.. المشكلة في الإخوان، موقع عربي21، 25/6/2025، متاح على: https://n9.cl/5ibx2u.
بنكيران: المغرب دولة عريقة.. وندعم إيران ضد إسرائيل رغم خلافاتنا، موقع عربي21، 15/6/2025، متاح على: https://n9.cl/g9w26.
تامر بدوي وأسامة الصياد، توقعات غير مُتطابقة: إيران وجماعة الإخوان المسلمين غداة الانتفاضات العربية، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 28/3/2019، متاح على: https://n9.cl/49whc.