اقترح رئيس حزب السعادة التركي، محمود أريكان، إنشاء حلف دفاعي بين كل من (تركيا – إيران – مصر – باكستان) من أجل تحقيق الاستقرار الدائم في المنطقة، قائلاً: “أُخاطب الحكومة، لقد حان الوقت الحقيقي لنقول لمشروع الشرق الأوسط الكبير: “دقيقة (one minute)”.
وفي كلمته خلال اجتماع كتلة “الطريق الجديد” – تحالف برلماني يضم ثلاث أحزاب تركية معارضة – صرح أريكان “نحن عند نقطة تحول تاريخية، والسبب في هذا التحول لا يعود إلى القانون الأمريكي أو الإسرائيلي، بل إلى استنادهم على البلطجة والغطرسة”، وأضاف أن الولايات المتحدة قصفت إيران بذريعة أنها قد تنتج أسلحة نووية، في حين أن أمريكا وإسرائيل هما من أكثر الدول امتلاكاً للأسلحة النووية في العالم.
وأوضح أريكان قائلاً: “عبارات مثل “تغيير النظام” لا تُقال عبثاً، بل يُراد خلق إيران غير مستقرة، وتفتيت المنطقة، وصناعة شرق أوسط خاضع للصهيونية والإمبريالية. باختصار، إنهم يخططون لتطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طالما حلموا به. ولأجل إرساء استقرار دائم في منطقتنا، علينا تأسيس حلف دفاعي يجمع تركيا، إيران، مصر وباكستان. ومن خلال هذا التحالف، يمكننا تطوير وتعزيز قوة ردع فعالة وبسرعة. أكرر: الآن هو الوقت الحقيقي لنقول دقيقة (one minute) لمشروع الشرق الأوسط الكبير”.
وأشار أريكان إلى تصريح وزارة الخارجية التركية قبل أيام، والذي عبرت فيه عن “بدء شعورها بالقلق”، قائلاً: “حين تصل الخطر إلى أبوابنا بهذا الشكل، فإن مجرد بدء وزارة الخارجية في التعبير عن القلق يُعد مصدر قلق بحد ذاته. ألم تتأخروا كثيراً في الشعور بالقلق؟ أين كنتم عندما كنا نطالب بإغلاق قواعد كُورِجِيك وإنجرليك؟ أين كنتم عندما قلنا قبل سنوات إن الدور قادم على إيران؟ أين كنتم عندما قلنا إن المسألة في سوريا هي في حقيقتها استهداف لتركيا؟ لقد تأخرتم كثيراً جداً في القلق”.
وشدد أريكان على ضرورة أن تكون تركيا أكثر يقظة من أي وقت مضى، لا سيما من الناحية الاقتصادية، لتصبح أكثر قوة ومتانة، قائلاً: “نعم، سيكون للحرب تأثير على الأسواق العالمية، مثل أسعار النفط والذهب والدولار والبورصات، لكن الأهم هو أن نخرج من كل ذلك دون أضرار. نتساءل: كيف ترتفع بورصة تل أبيب رغم سقوط الصواريخ فيها، بينما تهبط بورصة إسطنبول؟ كيف تمطر الصواريخ على الدول المتحاربة، بينما تتساقط زيادات الأسعار على أنقرة؟ كيف لا تتضرر اقتصادات الدول التي هي في قلب الحرب مثلما تتضرر اقتصادنا؟”.
الاستخلاصات:
دعوة لتأسيس محور دفاعي إقليمي بديل للتحالفات الغربية: يقترح رئيس حزب السعادة إنشاء حلف دفاعي بين تركيا، إيران، مصر وباكستان، في خطوة تعبر عن توجه استراتيجي يسعى إلى إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية من داخل المنطقة نفسها، وبعيدًا عن أطر الهيمنة الغربية، وهذا التحالف المقترح يمثل تصورًا جديدًا للأمن الإقليمي، يقوم على الاعتماد المتبادل بين الدول الإسلامية الكبرى، ويهدف إلى إنتاج قوة ردع إسلامية مستقلة، قادرة على مواجهة التحديات المشتركة دون الحاجة إلى المظلة الغربية، التي يرى البعض أنها باتت مصدرًا لعدم الاستقرار بدلًا من أن تكون ضمانة له.
رفض مشروع “الشرق الأوسط الكبير” كأداة لتفكيك المنطقة: يتبنى أريكان خطابًا رافضًا بوضوح لمشروع “الشرق الأوسط الكبير”، ويرى أنه ليس سوى مخطط لتفتيت الدول وتقسيم الجغرافيا السياسية للمنطقة بما يخدم المصالح الصهيونية والإمبريالية، وهذا الطرح يعيد التذكير بسردية قديمة-جديدة تتهم القوى الغربية بالسعي إلى تغيير الأنظمة، وزعزعة استقرار الدول الوطنية، عبر شعارات حقوق الإنسان أو مكافحة الإرهاب.
تحميل الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولية زعزعة الاستقرار: الخطاب يضع المسؤولية عن الفوضى الإقليمية على كاهل الولايات المتحدة وإسرائيل، متهمًا إياهما بممارسة سياسات القوة والبلطجة تحت غطاء القانون الدولي، ويشير بوضوح إلى التناقض في تعامل واشنطن مع الملف النووي، حيث تُدين إيران دون سند قانوني، في حين تغض الطرف عن ترسانات نووية هائلة تمتلكها كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا المنطق يعكس رؤية شاملة تنظر إلى النظام الدولي كمصدر لعدم العدالة، وتدعو إلى مواجهته عبر أدوات إقليمية مستقلة.
تشخيص لاختلال الأداء الاقتصادي التركي في ظل الأزمات الدولية: يعكس الخطاب قلقًا بالغًا من هشاشة الاقتصاد التركي أمام التوترات الجيوسياسية، خاصة مع مقارنة مباشرة بأداء أسواق المال في دول كإسرائيل، ويُسلط الضوء على التناقض بين تعافي بورصة تل أبيب رغم القصف، وانهيار بورصة إسطنبول رغم البعد الجغرافي عن مركز النزاع، ما يُبرز اختلالات هيكلية في الاقتصاد التركي وعدم استعداده للصدمات الخارجية، كما يُشير إلى أن تبعات الحرب لا تقتصر على الجبهات، بل تمتد لتطال المواطن التركي بشكل مباشر عبر الغلاء والتضخم، في حين تغيب السياسات الوقائية الكفيلة بتحصين الداخل.
توظيف سياسي للرموز الشعبية لاستعادة الخطاب السيادي: من خلال توظيف عبارة “one minute” الشهيرة التي استخدمها أردوغان في وجه إسرائيل عام 2009، يحاول حزب السعادة استعادة زمام المبادرة في الخطاب السيادي التركي، إلا أن توجيه هذا الشعار هذه المرة ضد الحكومة نفسها يعكس انقلابًا في الأدوار، حيث تسعى المعارضة الإسلامية إلى إظهار نفسها كحامية للمصالح القومية والدينية، بينما تُتهم الحكومة بالتفريط أو التبعية، وهذه المقاربة تسلط الضوء على صراع داخل التيار الإسلامي التركي نفسه، بين من يرى في التعاون مع الغرب ضرورة واقعية، ومن يراه تهديدًا ينبغي مقاومته بكل الوسائل.