شهدت منطقة غرب أفريقيا خلال السنوات الأخيرة تحولات جذرية أعادت رسم ملامحها السياسية والأمنية، حيث تصاعدت موجة الانقلابات العسكرية وانهارت العديد من منظومات الحكم المدني، في مقابل صعود تكتلات إقليمية جديدة تتحدى الأطر التقليدية، وفي هذا السياق المضطرب، جاء انقلاب غينيا بيساو في 26 نوفمبر 2025 ليشكل محطة مهمة ليست في تاريخ الدولة فحسب، بل في مستقبل توازنات غرب أفريقيا بأكملها.
فمع انتظار إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في غينيا بيساو، تحول المشهد السياسي سريعاً بعد إعلان ضباط من الجيش اعتقال الرئيس عمر سيسوكو إمبالو واتهامه بالتآمر والتلاعب بالاستحقاق الانتخابي، لتجد البلاد نفسها أمام انقلاب جديد يضاف إلى سلسلة طويلة من التحولات العسكرية التي طبعت تاريخها منذ الاستقلال. إلا أن تأثير هذا الانقلاب لا يكمن فقط في إعادة إنتاج دورة عدم الاستقرار الداخلي، بل في انعكاساته الإقليمية، إذ يفتح الباب أمام احتمال انضمام غينيا بيساو إلى تحالف دول الساحل الجديد (AES)، وهو ما قد يمثل ضربة جديدة لنفوذ المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) التي تواجه بالفعل أزمة وجودية بعد انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
ويطرح هذا الوضع تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإقليم: هل يمثل الانقلاب انتقالاً لغينيا بيساو نحو محور سياسي أمني جديد يعزز تمدد الحزام العسكري جنوباً؟ وكيف سيؤثر ذلك على تماسك الإيكواس ودورها التقليدي كضامن للديمقراطية والاستقرار؟ وما انعكاسات هذا التحول على الأمن الإقليمي، خاصة في ظل تنامي الإرهاب والجريمة المنظمة واشتداد التنافس الدولي في غرب أفريقيا؟
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل انقلاب غينيا بيساو في سياقه التاريخي والسياسي والأمني، واستشراف فرص اندماجها في تحالف الساحل الجديد، وتقييم التداعيات المباشرة وغير المباشرة على الإيكواس، بما يساهم في فهم ديناميكيات التحول التي تشهدها المنطقة في هذه المرحلة الحساسة.
أولًا: خلفية الانقلاب العسكري في غينيا بيساو
قبيل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 23 نوفمبر، أعلن الضباط عبر الراديو الرسمي عن اعتقال إمبالو في قصره، واتهموه بالتآمر مع جهات خارجية للتلاعب في نتائج الانتخابات، هذا الإعلان شكل نقطة انطلاق لانقلاب عسكري منظم أدى إلى تعليق الدستور، إغلاق المطار الدولي، وفرض حظر تجول شامل في البلاد. قائد الانقلاب الجنرال أنطونيو إنديرا برر التحرك العسكري بـ”حماية الديمقراطية من الفساد والتدخلات الأجنبية”، مشيرًا إلى تورط شبكات تهريب المخدرات من كوبا والسنغال في تمويل حملة إمبالو الانتخابية، وقد قام الجيش بالسيطرةعلى مباني البرلمان والمقرات الحكومية الرئيسية، واعتقل رئيس اللجنة الانتخابية وعددًا من الوزراء، ورغم أن الانقلاب أسفر عن تعليق الدستور، إلا أنه لم تسجل أي حوادث عنف أو إراقة دماء، خلافًا للانقلابات السابقة التي شهدتها البلاد منذ استقلالها عام 1974.
غينيا بيساو معروفة بسجلها الحافل بالانقلابات العسكرية، إذ شهدت حتى الآن ثمانية انقلابات ناجحة، كان آخرها في 2022 الذي مهد الطريق لوصول إمبالو إلى السلطة، وشهدت الانتخابات الأخيرة منافسة شرسة بين إمبالو ومنافسه دومينغوس سيمويس وسط اتهامات متبادلة بالتزوير، خاصة في ظل اقتصاد يعتمد بشكل رئيسي على الصادرات بنسبة 90% وفق تقرير البنك الدولي 2025، بالإضافة إلى تحديات تهريب المخدرات التي تُقدر قيمتها بحوالي 1.5 مليار دولار سنويًا حسب تقارير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة (UNODC). كما يعد الجيش، الذي يستحوذ على نحو 15% من الميزانية الوطنية، لاعبًا رئيسيًا في المشهد السياسي في غينيا بيساو، إلا أن المعارضة وجهت إليه اتهامات بأنه أصبح أداة بيد إمبالو لتمديد حكمه، مما أثار حالة من الشك وعدم الثقة في نزاهة الانتخابات وموضوعية الجيش.
ردود الفعل الدولية على الانقلاب كانت سريعة، حيث أدان الاتحاد الإفريقي الانقلاب وطالب بإعادة الحكم المدني، كما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات أولية على القادة العسكريين المتورطين في الانقلاب. من جهتها، دعت البرازيل، التي تربطها علاقات تاريخية مع غينيا بيساو، إلى فتح حوار وطني لحل الأزمة سلمياً. في نفس السياق، عقدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) اجتماعًا طارئًا في أبوجا (نيجيريا) في 27 نوفمبر، وأصدرت تهديدًا بعقوبات اقتصادية فورية إذا لم تستعد البلاد الحكم الدستوري خلال 72 ساعة.
ويأتي هذا الانقلاب في وقت تشهد فيه المنطقة حالة من التوتر المتزايد، حيث يواجه إيكواس أكبر تحدياته منذ تأسيسه عام 1975. ففي يوليو 2024، خرجت كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو من إيكواس لتشكيل تحالف دول الساحل الجديد (AES) الذي يركز على الدفاع المشترك ضد الإرهاب وتعزيز السيادة الاقتصادية بعيدًا عن النفوذ الغربي. بهذا الشكل، يفقد إيكواس تدريجيًا سيطرته على منطقة الساحل.
ثانيًا: هل كان انقلاب غينيا بيساو مدبرًا من قبل الرئيس إمبابو؟
على الرغم من الإدانة الدولية الواسعة للانقلاب العسكري في غينيا بيساو، بدأت تساؤلات عديدة تثار حول ما إذا كان الانقلاب قد تم بتخطيط من الرئيس عمر سيسوكو إمبالو نفسه، حيث أنه في فترة حكمه التي بدأت بعد أحداث 2022، شهدت غينيا بيساو حالة من التجاذبات السياسية الحادة، حيث اتهمه منافسه الرئيس فرناندو دياس بالفساد والتجاوزات الدستورية، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات داخل المجتمع السياسي. ورغم سير الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 23 نوفمبر 2025 دون وقوع خروقات أمنية، فإن إعلان إمبالو ودياس فوزهما قبل صدور النتائج الرسمية في 25 نوفمبر قد زاد من حدة التوترات والفوضى السياسية، مما ساهم في انتشار الانقسام داخل الشارع الغيني.
وفي هذا السياق، تزايدت الشكوك بشأن المبررات التي قدمتها القيادة العسكرية بعد الانقلاب، حيث أشار البعض إلى أن هذه المبررات قد تكون مجرد غطاء سياسي لعرقلة انتقال السلطة بشكل دستوري، حيث تشير تقارير إعلامية وبيانات من المعارضة إلى احتمال أن يكون إمبالو قد شارك في ترتيب الانقلاب عبر التنسيق مع بعض الضباط العسكريين الموالين له، خاصة بعد توقعه خسارته أمام دياس في الانتخابات. فرناندو دياس نفسه وصف الأحداث بأنها “ترتيب مسبق” بين الجيش وإمبالو، بهدف منع الانتقال السلمي للسلطة.
إضافة إلى ذلك، دعمت الجبهة الشعبية، إحدى منظمات المجتمع المدني البارزة، هذا الطرح، واعتبرت ما حدث بمثابة “انقلاب صوري” يهدف إلى إعادة توزيع النفوذ السياسي دون مواجهة الشعب بشكل مباشر. هذه الفرضية تدعمها أيضًا تقارير إعلامية، بما في ذلك ما نشرته مجلة فورين بوليسي، التي أكدت أن الجنرال هورتا إنتا ووزير المالية إليديو فييرا تي، اللذان تم تعيينهما خلال فترة الانقلاب، هما شخصان مقربان من إمبالو، مما يعزز الاعتقاد بأن الانقلاب كان مدبرًا.
من جانب آخر، أشار الرئيس السنغالي عثمان سونكو إلى أن ما جرى كان “خدعة سياسية”، مؤكدًا أن الجيش لم يتخذ هذا القرار بشكل مستقل، بل كان جزءًا من مخطط معد مسبقًا. في هذا السياق، يضيف الوضع السياسي في غينيا بيساو بعدًا آخر، حيث تشير التقارير إلى أن الانقسام السياسي في البلاد قد تم استغلاله من قبل بعض الأطراف لتحقيق مكاسب شخصية، وهو ما يعقد الأزمة السياسية في الدولة.
ثالثًا: فرص إندماج غينيا بيساو في تحالف دول الساحل الجديد(AES)
في ظل تعليق عضوية غينيا بيساو من المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) والاتحاد الإفريقي عقب الانقلاب العسكري الأخير، بات من المحتمل أن تسعى البلاد للانضمام إلى تحالف دول الساحل الجديد (AES) كخطوة لكسر العزلة السياسية والاقتصادية، وتعزيز حرية الحركة، وتفعيل التعاون بشأن القضايا المشتركة مثل الأمن، والتجارة، وإدارة الموارد، وتشمل فرص التكامل في هذا الإطار عدة محاور أساسية، ويمكن تقسيم الدوافع التي تحفز غينيا بيساو على الانضمام إلى تحالف دول الساحل الجديد إلى ثلاثة محاور رئيسية:
1- الدوافع الأمنية
على الرغم من أن غينيا بيساو لم تشهد هجمات إرهابية كبرى مثل تلك التي شهدتها دول الجوار، إلا أن البلاد تواجه تهديدًا أمنيًا متزايدًا بسبب موقعها الجغرافي المهم. تقع غينيا بيساو على الحافة الجنوبية لمنطقة الساحل، التي أصبحت مركزًا لنشاط الجماعات الجهادية المتطرفة، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة، وتنظيم داعش في الصحراء الكبرى، وقد شهدت دول الجوار مثل مالي وبوركينا فاسو انتشارًا واسعًا لهذه الجماعات المسلحة، مما يثير مخاوف قادة غينيا بيساو من احتمالية أن تكون بلادهم الهدف التالي، خاصةً في ظل ضعف الأجهزة الأمنية المحلية.
تُعاني غينيا بيساو من حدود طويلة وغير محكمة مع كل من مالي والسنغال، تغطيها مناطق نائية وغابات كثيفة، الأمر الذي يجعلها عرضة للاختراق ويصعب السيطرة عليها بشكل فعّال. هذا الواقع يجعل الحدود بمثابة ممرات سهلة لتحركات الجماعات المسلحة وتهريب الأسلحة والمخدرات.
وتعد غينيا بيساو نقطة عبور رئيسية لتجارة الكوكايين من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا، حيث تنشط شبكات إجرامية منظمة تعمل على تقويض أمن الدولة من خلال الفساد المستشري داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، ويثير هذا الأمر قلقًا من احتمالية تحالف هذه الشبكات مع الجماعات الإرهابية لتمويل أنشطتها، كما حدث في مناطق أخرى ضمن نفس السياق الإقليمي.
على صعيد المبادرات الدولية، فإن بعثة الأمم المتحدة في غينيا بيساو (UNIOGBIS) والقوى الدولية الأخرى لم تتمكن من تحقيق حل جذري ومستدام للأزمة الأمنية في المنطقة. لذلك، ترى غينيا بيساو، مثل باقي دول تحالف الساحل الجديد (AES)، أن الانضمام إلى تحالفات عسكرية وأمنية إقليمية يوفر لها حماية نسبية من الهجمات الإرهابية، ويتيح لها الاستفادة من الخبرات الأمنية المتوفرة لدى الدول الأعضاء، ليكون هذا التحالف بديلاً فعالًا عن التواجد الأمني التقليدي لمنظمة دول غرب إفريقيا (إيكواس) في المنطقة.
2- الدوافع السياسية
تشكل غينيا بيساو من خلال انضمامها المحتمل إلى تحالف دول الساحل الجديد (AES) انحيازًا واضحًا إلى “المعسكر الجديد” في غرب إفريقيا، الذي يضم دولًا مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهذا التحالف الجديد يمثل كتلة سياسية وعسكرية تتخذ موقفًا معاديًا للنفوذ الغربي، وخاصة النفوذ الفرنسي في المنطقة، مع وجود تقارب واضح مع الكتلة الشرقية، الممثلة في روسيا، التي تدعم استراتيجيات الأمن المحلية بقيادة الدول نفسها، وتسعى غينيا بيساو لتعزيز علاقاتها مع هذه الدول القوية والمتجانسة أيديولوجيًا، والتي وصلت إلى السلطة عبر انقلابات عسكرية، حيث يمكن أن يوفر هذا الانتماء دعمًا سياسيًا مهمًا لها داخل المحافل الإقليمية مثل منظمة دول غرب إفريقيا (إيكواس).
بالإضافة إلى ذلك، يشكل انضمام غينيا بيساو إلى AES، خاصة في ظل تعليق عضويتها في إيكواس بسبب الانقلاب العسكري الأخير، ضغطًا سياسيًا إضافيًا على المنظمة الإقليمية، إذ يبرز هذا الانضمام توسع الكتلة المناهضة للنفوذ الغربي والمتشككة في إيكواس جنوبًا، مما يهدد وحدة وتماسك المجموعة الإقليمية ويزيد من تعقيد المشهد السياسي في غرب إفريقيا.
من ناحية أخرى، يمثل الانضمام إلى تحالف AES خطوة ذات بعد داخلي مهم بالنسبة للحكومة الانتقالية وقادتها في غينيا بيساو، إذ يمكن أن يُنظر إلى هذا القرار على أنه تعبير عن “السيادة الوطنية” ووسيلة لمواجهة تهديد خارجي، ما يعزز شرعية الحكومة في الداخل ويوحد الرأي العام حول ضرورة حماية الأمن الوطني، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل الأوضاع السياسية المضطربة التي تمر بها البلاد.
3- الدوافع الإقتصادية والتنموية
يركز تحالف دول الساحل الجديد (AES) بشكل كبير على تعزيز التنمية الاقتصادية، التي تُعتبر من الركائز الأساسية لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في المنطقة، وتتمتع غينيا بيساو بموقع ساحلي استراتيجي يجعلها منفذًا بحريًا مهمًا لدول التحالف، مما يمنحها دورًا حيويًا في شبكات التجارة الإقليمية والدولية.
من الناحية التنموية، يمكن لغينيا بيساو الاستفادة بشكل كبير من التعاون مع شركائها في AES من خلال تحسين البنية التحتية، حيث يمكن للمشاريع المشتركة أن تسهم في بناء أو تحديث الطرق والسكك الحديدية والموانئ التي تربطها بالدول المجاورة، مما يعزز حركة التجارة ويحفز النشاط الاقتصادي في البلاد، كما أن هذا التعاون قد يجذب استثمارات جديدة في قطاعات مهمة مثل الطاقة والزراعة، مما يدعم النمو الاقتصادي ويخلق فرص عمل.
علاوة على ذلك، يمكن لتعاون دول الساحل الجديد أن يشمل مجالات الأمن الغذائي، حيث تمتلك غينيا بيساو أراضٍ زراعية خصبة ومصادر بحرية غنية، في حين تواجه دول الساحل الأخرى تحديات كبيرة في تأمين غذائها، وهذا التكامل الاقتصادي والزراعي يعزز من فرص تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في المنطقة ككل.
إلا أنه مع ذلك تواجه غينيا بيساو العديد من التحديات والمخاطر المحتملة نتيجة انضمامها إلى تحالف دول الساحل الجديد (AES). فمن الناحية الدولية والإقليمية، قد يثير هذا القرار توترًا في العلاقات مع الشركاء التقليديين والجهات المانحة مثل الاتحاد الأوروبي والبرتغال والولايات المتحدة، الذين قد يقلصون دعمهم ومساعداتهم التنموية للبلاد. أما على الصعيد الداخلي، فقد يؤدي الانخراط في تحالف عسكري إلى زيادة التدخل العسكري في الشؤون السياسية لغينيا بيساو، التي تعاني تاريخيًا من سلسلة من الانقلابات، مما قد يعمق حالة عدم الاستقرار، كما أن فعالية التحالف في مواجهة التهديدات الجهادية لا تزال غير مؤكدة، حيث لم يثبت حتى الآن قدرته على القضاء على التمرد بشكل نهائي في دوله الأعضاء الأساسية، مما قد يعرض غينيا بيساو لخطر هجمات إرهابية أشد وتحديات أمنية أكبر.
رابعًا: تأثير انقلاب غينيا بيساو على المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)
شهدت منطقة غرب إفريقيا منذ عام 2020 موجة من عدم الاستقرار أدت إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية، ما دفع بعض الدول إلى الخروج من المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) على الرغم من أحكام بروتوكولها بشأن الديمقراطية والحكم الرشيد رقم (A/SP/12/01) لعام 2001، وقد شكل انقلاب غينيا بيساو الأخير تحديًا جديدًا أمام الإيكواس وألقى بظلاله على نفوذها واستراتيجياتها في المنطقة، ويمكن تلخيص أبرز تأثيراته فيما يلي:
-
تراجع نفوذ الإيكواس: أظهر انقلاب غينيا بيساو ضعف قدرة الإيكواس على مواجهة الانقلابات العسكرية، حيث أضعفت العقوبات الانتقائية والإجراءات الدبلوماسية السابقة من فعالية المنظمة، خاصة بعد أن أظهرت التطورات الأخيرة أن الحكومات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر لم تتأثر بها، وقد دفع هذا الانقلاب غينيا بيساو إلى تجاهل تعليق عضويتها في الإيكواس واستمرار التحرك العسكري، مما يعكس محدودية قدرة المنظمة على فرض العودة للحكم المدني، ويهدد عضوية دول جديدة في المستقبل.
-
تفاقم أزمة الديمقراطية في المنطقة: ساهم انقلاب غينيا بيساو في توسيع دائرة عدم الاستقرار جنوبًا، حيث كان يُنظر سابقًا إلى البلاد على أنها خارج “حزام الانقلابات” في منطقة الساحل، أصبح من الواضح أن الانقلابات لم تعد محصورة في دول الساحل فقط، بل بدأت تنتشر نحو جنوب غرب إفريقيا، مما يزيد من عمق أزمة الشرعية والديمقراطية في المنطقة، فكل انقلاب جديد يعزز فكرة أن الحكم العسكري هو الخيار السائد، ويقوض الجهود التي تبذلها الإيكواس لترسيخ التداول السلمي للسلطة وتعزيز الحكم الديمقراطي.
-
التأثير الجيوسياسي على الإيكواس: زاد انقلاب غينيا بيساو من تعقيد المشهد الجيوسياسي في غرب إفريقيا، خاصة بعد التراجع التدريجي للتدخلات الغربية في المنطقة، مثل الانسحاب الجزئي لفرنسا، ما دفع الحكومات العسكرية إلى تعزيز تحالفاتها مع روسيا، وهذا التوجه يضعف النفوذ التقليدي للإيكواس ويعقد محاولاتها لإعادة الدول إلى حكم مدني منتخب، ويخلق صراع تأثير واضح بين القوى الغربية وروسيا على أراضي غرب إفريقيا، مما يضعف من قدرة الإيكواس على فرض استقرار ديمقراطي في المنطقة.
لذلك يمكن القول، أنه يُظهر انقلاب غينيا بيساو مدى هشاشة دور الإيكواس في مواجهة الانقلابات العسكرية المتكررة، ويعكس تحديات تتعلق بالديمقراطية والاستقرار السياسي والجيوسياسي في غرب إفريقيا، ويؤكد الحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجيات المنظمة لمواجهة هذا النوع من الأزمات بفعالية أكبر.
خامسًا: مسارات مقترحة للاتحاد الإفريقي لمواجهة الانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا
-
تعزيز آليات الإنذار المبكر والتدخل السريع: ضرورة قيام الاتحاد الإفريقي بتطوير آليات إنذار مبكر فعالة لمراقبة الوضع السياسي والأمني في الدول الأعضاء، من خلال استخدام تقنيات علمية حديثة، يمكن التنبؤ بالانقلابات العسكرية على أساس التوترات السياسية أو العسكرية داخل الدول أو جيرانها، وهذا التنبؤ يتيح التدخل السريع من قبل المنظمات الإقليمية لحل الأزمات في بداياتها، مع الحفاظ على سيادة الدول وضمان عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
-
دعم الحوكمة الرشيدة والانتخابات النزيهة: ضرورة تعزيز آليات مراقبة الانتخابات لضمان نزاهتها وشفافيتها، ويشمل ذلك ضمان حرية الانتخابات، وعدم السماح بتمديد الفترات الرئاسية، كما ينبغي أن تكون الانتخابات تحت رقابة دولية لضمان سير العملية بشكل ديمقراطي وحمايتها من أي محاولة للتزوير، مما يعزز من التداول السلمي للسلطة.
-
سياسة العقوبات المستهدفة على الحكومات العسكرية: بدلاً من عزل الدول ذات الحكومات العسكرية، يجب أن تتبع الاتحاد الإفريقي سياسة عقوبات مركزة ضد القادة العسكريين المسؤولين عن الانقلابات، وهذه العقوبات يجب أن تركز على تقليص حرية الحركة للقادة العسكريين والضغط عليهم لوقف أعمال العنف ضد المدنيين، ومن المهم أن يتم تصميم العقوبات بشكل يمنع تأثيرها السلبي على المدنيين أو زيادة الأوضاع الأمنية سوءًا.
-
التعامل مع الحكومات العسكرية عبر خارطة طريق للتحول الديمقراطي: في حالة الحكومات العسكرية، يجب أن يتبنى الاتحاد الإفريقي خطة تحوّل ديمقراطي واضحة، وتشمل هذه الخطة تنفيذ حوار وطني شامل يشمل جميع الأطراف السياسية، بالإضافة إلى تنظيم انتخابات نزيهة تمثل جميع شرائح الشعب، كما يجب أن يرتبط رفع العقوبات بتنفيذ خطوات ملموسة نحو التحول الديمقراطي، مع رفض الفترات الانتقالية الطويلة التي تمنح الحكومات العسكرية مزيدًا من الوقت للتمسك بالسلطة.
No Result
View All Result