في صيف عام 2013، كانت مصر تقف على مفترق طرق وسط اضطرابات إقليمية غير مسبوقة، وتدهور داخلي متسارع على جميع المستويات، حيث وجدت البلاد نفسها في قبضة جماعة سعت إلى تفكيك مؤسسات الدولة، وتغليب الولاء الأيديولوجي على الانتماء الوطني، ولم يكن الخطر مقتصرًا على أداء سياسي مرتبك، بل تمثل في مشروع متكامل لاختطاف الدولة وإعادة تشكيلها على أسس طائفية تهدد كيانها التاريخي.
في الثلاثين من يونيو، خرج الشعب المصري بالملايين إلى الشوارع، مدفوعًا بإرادة صلبة للحفاظ على هوية الدولة، واستعادة مؤسساتها من قبضة جماعة قدمت مصلحة التنظيم على مصالح الوطن، ولم تكن التظاهرات مجرد حالة غضب، بل كانت تعبيرًا عن وعي تاريخي بأهمية الدولة وضرورة حمايتها من محاولات الهدم من الداخل.
وفي الثالث من يوليو، جاءت لحظة الحسم، القوات المسلحة المصرية التي راقبت المشهد بدقة، لم تنحز إلا إلى ما عبر عنه الشعب بشكل مباشر، البيان الصادر في ذلك اليوم لم يكن سوى ترجمة رسمية لإرادة شعبية واضحة، عبرت عنها ميادين مصر في جميع المحافظات، قرار القوات المسلحة بالوقوف إلى جانب الشعب لم يكن خروجًا عن المسار الديمقراطي، بل استعادة له، بعد أن جرى تفريغه من مضمونه على يد من استخدموا الديمقراطية وسيلة للتمكين، لا آلية للحكم الرشيد.
منذ تلك اللحظة، دخلت الدولة المصرية مرحلة إعادة البناء، في قلب هذه المرحلة كانت المعركة ضد الإرهاب. الجماعات المسلحة، التي استفادت من اضطراب ما قبل 30 يونيو، أصبحت هدفًا لعملية شاملة وممنهجة اعتمدت على التخطيط الاستراتيجي والمعلومات الدقيقة، وقد أسفرت هذه العمليات عن تقويض البنية التحتية للإرهاب، وتفكيك شبكاته، وقطع خطوط تمويله ودعمه الإعلامي.
وقد شكلت العملية الشاملة “سيناء 2018” ذروة هذه المواجهة؛ حيث تمكنت القوات المسلحة، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، من القضاء على معظم البؤر الإرهابية في شمال ووسط سيناء، وفرض السيطرة الكاملة على المناطق الحدودية، وتزامن ذلك مع تنفيذ عمليات نوعية في مناطق متفرقة داخل الجمهورية، استهدفت الخلايا النائمة ومصادر التحريض والدعم.
لكن المعركة لم تكن أمنية فقط. بالتوازي مع المواجهة المسلحة، أطلقت الدولة حزمة من المشروعات القومية امتدت من البنية التحتية إلى الطاقة والتعليم والإسكان. لم يكن الهدف تنمية اقتصادية فحسب، بل بناء واقع جديد يُرسخ مفهوم الدولة المستقرة القادرة على فرض القانون وتقديم الخدمات، وجاء ذلك نتيجة إدراك القيادة السياسية أن الأمن الشامل لا يتحقق إلا بتكامل أدوات الردع مع التنمية والوعي.
كما استعادت مصر مكانتها الإقليمية والدولية، بعد أن كادت تُختزل في دور تابع لمشروعات خارجية، فمنذ الثالث من يوليو، أعادت الدولة تموضعها في محيطها العربي والأفريقي، وعادت لتكون رقمًا مهمًا في معادلات السياسة الإقليمية، خاصة في ملفات مكافحة الإرهاب، وحماية الأمن القومي العربي، وضبط التوازنات في شرق المتوسط.
وتُعد ثنائية (30 يونيو – 3 يوليو) من أبرز محطات التحول في التاريخ المصري الحديث؛ إذ تمثل الأولى التعبير الأوضح عن الإرادة الشعبية، بينما تجسد الثانية لحظة استجابة الدولة، ممثلة في مؤسستها العسكرية، لتلك الإرادة،وقد أسستا معًا نموذجًا فريدًا من التلاحم بين الدولة والمجتمع، وفتحتا الباب أمام مشروع وطني شامل.
واليوم، وبعد أكثر من عقد على تلك اللحظة المفصلية، يتأكد أن ما جرى لم يكن مجرد تغيير سياسي، بل إعادة تأسيس للدولة المصرية الحديثة، على قاعدة من الاستقلال الوطني، والسيادة الشعبية، والمؤسسات الراسخة.
فالمعركة ضد الإرهاب لا تُحسم بالسلاح وحده، بل تمتد إلى ميادين الوعي، والتعليم، والتنمية. وتبقى القوات المسلحة المصرية – كما كانت دائمًا – صمام أمان الوطن، ليس فقط بقوتها العسكرية، بل برؤيتها وانضباطها، وبمشروعها الوطني الذي لا يعرف هدفًا سوى حماية مصر.
إن مكتسبات 30 يونيو – 3 يوليو لا تُحصى… لم تكن لحظات سياسية عابرة، بل تحولاً جذريًا في مسار الدولة المصرية، ومن أبرز هذه المكتسبات: استعادة الأمن والاستقرار بعد سنوات من الانفلات والإرهاب، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية بعد محاولات اختطافها من قوى الظلام، إلى جانب إطلاق أكبر عملية تنموية في تاريخ مصر، شملت مدنًا جديدة، وطرقًا قومية، ومشروعات طاقة وغاز عملاقة، فضلاً عن عودة مصر إلى دورها الإقليمي والدولي كلاعب رئيسي في قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب.
تحية لشهدائنا، تحية لقواتنا المسلحة الباسلة، وتحية لشعب قرر أن يكون هو من يكتب التاريخ… لا أن يُكتب عنه بأقلام الكارهين.