تسعى الكيانات والمنصات المعادية للدولة المصرية إلى توظيف القرارات الحكومية، خاصة تلك ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي، كأدوات ضغط دعائية تستهدف زعزعة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وبث رسائل سلبية توحي بانهيار المنظومة الاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية.
ولا يقتصر دور القرارات الحكومية على كونها إجراءات إدارية أو اقتصادية فحسب، بل تصبح أيضاً مادة أساسية في الحملات الدعائية للكيانات المعادية، حيث تُستغل كل القرارات سواء المتعلقة بالضرائب، الدعم، الخدمات العامة أو سياسات الأسعار لإثارة القلق العام والتشكيك في قدرة الدولة على إدارة الشأن العام، وتعمل هذه الكيانات على تبسيط التعقيدات الاقتصادية والاجتماعية بطريقة مضللة، لتقديم صورة مختزلة وسلبية عن أداء الحكومة، مستفيدة من أي حالة غضب أو إحباط شعبي، مهما كانت محدودة، لتضخيمها وتسويقها كأزمة شاملة تهدد الاستقرار الوطني.
مثلت قرارات الحكومة المصرية بشأن رفع أسعار البنزين والسولار نموذجاً بارزاً لهذا النمط من التوظيف التحريضي، حيث سعت بعض الكيانات إلى إعادة تأطير القرار ضمن سياق سياسي يهدف إلى تحفيز الغضب الشعبي وتغذية مشاعر الإحباط، مع تجاهل أو تهميش الأبعاد الاقتصادية الموضوعية للقرار وآثاره الواقعية على الاقتصاد الوطني والمواطنين.
وفي هذا التقرير، نرصد كيفية توظيف الكيانات المعادية للدولة المصرية للقرارات الحكومية، وأنماط الاستغلال الإعلامي لهذه القرارات، والاتجاهات النفسية والسياسية للإثارة والتحريض، فضلاً عن الآليات الرقمية المستخدمة في نشر الرسائل المضللة، كما يتضمن التقرير تقديراً لمدى تأثير هذه الحملات على الرأي العام، ويقترح مجموعة من التوصيات العملية لتعزيز التواصل الحكومي، وتطوير الخطاب الإعلامي والاقتصادي، ورفع وعي المجتمع.
أولاً: أنماط الاستغلال الإعلامي للقرار
أظهرت المتابعات الإعلامية تزايداً ملحوظاً في محاولات الكيانات المناهضة للدولة توظيف القرارات الاقتصادية ضمن حملات منظمة تستهدف النيل من استقرار الدولة والتشكيك في قدرتها على إدارة الشأن العام، وذلك من خلال مجموعة من التكتيكات الدعائية، من أبرزها:
إعادة تأطير القرارات في إطار التبعية للمؤسسات الدولية: حيث تعمل هذه الكيانات على تصوير القرارات الاقتصادية، ولا سيما تلك المتعلقة بالأسعار والدعم، بوصفها استجابة “لإملاءات” صندوق النقد الدولي، في محاولة لنزع الشرعية عن السياسات الاقتصادية الوطنية وإضعاف الثقة في استقلال القرار المصري.
تغذية مشاعر التذمر الشعبي: يتم ذلك عبر تصوير الإجراءات الإصلاحية على أنها موجهة ضد الفقراء ومحدودي الدخل، مع تجاهل متعمد للإجراءات الحكومية المصاحبة التي تهدف إلى تخفيف الأعباء وضمان العدالة الاجتماعية، بما يعزز سردية الظلم الاقتصادي.
التحريض ضد مؤسسات الدولة: من خلال ربط القرارات الاقتصادية بدعوات العصيان والاحتجاج، وترويج خطاب عدائي يستهدف رأس الدولة والمؤسسات السيادية، بغرض إشاعة الانقسام المجتمعي وتقويض تماسك الجبهة الداخلية.
تشويه صورة الدولة خارجياً: تسعى هذه الكيانات إلى تدوير تقارير وتصريحات مبتورة من سياقها لإظهار الحكومة في صورة العاجزة أو التابعة، وترويج صورة نمطية لمصر كدولة تفتقر إلى الرؤية الاقتصادية والكفاءة الإدارية.
استقطاب الشباب عبر الخطاب التحريضي: تعمل المنصات المعادية على توظيف لغة شبابية مشحونة بالعاطفة، تدّعي أن جيل الشباب يقف على أعتاب “التغيير”، مع إنشاء منصات رقمية موجهة تستهدف استقطاب هذه الفئة وإعادة دمجها في حملات دعائية منظمة عبر الفضاء الإلكتروني.
ثانياً: تحليل الاتجاهات والدلالات في الخطاب التحريضي الموجه ضد القرارات الحكومية
تكشف الدراسة أن الخطاب التحريضي الذي تتبناه بعض الكيانات المعادية يهدف إلى تحقيق هدفين متوازيين:
الأبعاد السياسية والنفسية: حيث يسعى إلى تقويض الثقة العامة في قدرة الدولة على إدارة الأزمات الاقتصادية، وإضعاف التلاحم الوطني من خلال بث الشكوك حول كفاءة المؤسسات السيادية.
الأبعاد الإعلامية والتعبوية: إذ تعمل هذه الحملات على إبقاء الرأي العام في حالة توتر مستمر، وتشتيت انتباه المجتمع بخطابات الغضب والتشكيك، بما يحول دون التفاعل الموضوعي مع الحقائق الاقتصادية والاجتماعية.
وتعتمد هذه الحملات بشكل واضح على آليات تواصل رقمية منسقة، تتكامل فيها منصات إلكترونية تابعة لجماعات معارضة وبعض الكيانات الحقوقية الموجهة من الخارج، إضافة إلى حسابات فردية تُدار بطرق احترافية، تهدف إلى التلاعب بالمشاعر العامة، وهو ما يعكس طبيعة ممنهجة تشبه عمليات “الحرب الإدراكية” أو ما يُعرف بـ”الهجوم المعنوي منخفض التكلفة”.
ثالثاً: تقييم أثر الحملات التحريضية على الرأي العام والمواطنين
تشير التحليلات إلى أن الخطاب التحريضي المرتبط بالقرارات الحكومية، خاصة الاقتصادية والاجتماعية، يترك آثاراً ملموسة على المواطنين من خلال عدة أبعاد:
التأثير النفسي والاجتماعي: الحملات الدعائية المضللة تساهم في زيادة شعور المواطنين بالقلق والإحباط تجاه القرارات الحكومية، حيث يتم تضخيم الأثر السلبي لأي إجراء اقتصادي مثل رفع أسعار الوقود أو تعديل الدعم، ويؤدي ذلك إلى شعور عام بعدم الأمان الاقتصادي وانخفاض الثقة في قدرة الدولة على إدارة الأزمات.
تغيير السلوك العام: إعادة تأطير القرارات في سياق سياسي مضلل، مثل ربطها بالخضوع لمؤسسات دولية أو تصويرها كأداة لإفقار المواطنين، يدفع بعض المواطنين إلى نشر أو إعادة تداول معلومات مغلوطة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يسرع من انتشار خطاب التشكيك والغضب المجتمعي.
تأثير التضليل على التفاعل مع السياسات: نتيجة الحملات المضللة، قد يتحول انتباه المواطنين من تقييم موضوعي للقرارات إلى التركيز على العواطف والغضب، مما يقلل من المشاركة البناءة في الحوار المجتمعي أو الالتزام بالإجراءات الحكومية، ويزيد من صعوبة تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية بفعالية.
رابعاً: المسارات المقترحة لصانع القرار المصري
تبرز هذه الحملات التحريضية أهمية تبني مسارات عملية تسهم في تعزيز كفاءة الاتصال الحكومي، والحد من تأثير الحملات التحريضية الممنهجة. ونستعرض فيما يلي أبرز المسارات المقترحة لصانع القرار المصري، بما يهدف إلى دعم الشفافية، ورفع الوعي المجتمعي، وتعزيز التنسيق المؤسسي.
تعزيز الشفافية والاتصال الحكومي المباشر
إطلاق منصة رقمية موحدة صادرة عن مجلس الوزراء لتوضيح خلفيات القرارات الاقتصادية الجديدة، تتضمن فيديوهات قصيرة وبيانات إنفوغراف بلغة مبسطة، تستعرض إجراءات الحماية الإجتماعية الخاصة بالقرار وتأثيره على المواطن.
تفعيل مؤتمرات دورية قصيرة لوزير المالية ووزير البترول عقب أي قرارات سعرية، تُبث على القنوات الرسمية ومواقع التواصل لشرح المبررات وآليات الحماية الاجتماعية المصاحبة.
تطوير الخطاب الاقتصادي والإعلامي
تدريب المتحدثين الإعلاميين في الوزارات على تبسيط الرسائل الاقتصادية، وتوحيد المفردات الرسمية المستخدمة في البيانات والحوارات الإعلامية.
إطلاق مبادرة “الاقتصاد ببساطة” بالتعاون بين وزارات الإعلام والتعليم العالي والمجالس البحثية، لتقديم محتوى توعوي قصير عبر وسائل التواصل، يشرح مفاهيم مثل (الدعم – العجز – سعر الصرف) بلغة شعبية واضحة.
دمج خبراء الاقتصاد والاجتماع في البرامج الحوارية لتفسير القرارات بعمق مهني يسبق وصول المعلومات للمنصات المعادية.
رفع الوعي المجتمعي ضد التحريض الرقمي
إدراج وحدات تعليمية قصيرة في الجامعات والمعاهد العليا تحت عنوان “وحدة مقاومة التضليل”، تنفذها الهيئة العامة للاستعلامات بالتعاون مع وزارة التعليم العالي.
تفعيل حملات توعوية مشتركة بين الإعلام الوطني والمجتمع المدني لتثقيف المواطنين حول طرق اكتشاف الأخبار المضللة ومصادرها.
تدشين مبادرة “رصد وعي” لجمع الإشارات الرقمية حول اتجاهات الرأي العام في الأزمات الاقتصادية، بما يسمح للحكومة بالاستجابة المبكرة قبل تفاقم الغضب الشعبي.
تعزيز التعاون بين المراكز البحثية والإعلام الرسمي
تشكيل لجنة تنسيق فكرية تضم ممثلين عن المراكز البحثية الوطنية بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للإعلام، لتوحيد الخطاب التحليلي تجاه القضايا الاقتصادية الكبرى.
إصدار نشرات تقدير موقف أسبوعية داخلية تُرفع إلى الجهات التنفيذية والأمنية تتضمن تحليل محتوى التحريض ومقترحات المواجهة الإعلامية.
إعداد قاعدة بيانات تحليلية مركزية ترصد اتجاهات الخطاب المعادي، وتُحدث شهرياً بناءاً على الرصد الإلكتروني والمحتوى الرقمي المفتوح.
إنشاء وحدة متخصصة لرصد الحملات الإعلامية المعادية
إنشاء “وحدة التحليل الإدراكي” داخل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، تختص برصد وتفكيك الرسائل التحريضية الموجهة عبر الفضاء الإلكتروني.
تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي المحلية لتحديد الأنماط الدعائية على المنصات الاجتماعية، ورسم خرائط الشبكات المرتبطة لها.
إصدار تقارير فصلية تعرض للقيادة السياسية والجهات المعنية النتائج الكمية والنوعية للحملات المعادية، مع مؤشرات تقييم فعالية المواجهة.
ضبط السوق ومنع التلاعب السعري
تفعيل الربط الإلكتروني بين وزارات التموين والنقل والمحليات لمتابعة الأسعار في الوقت الحقيقي باستخدام تطبيق رقمي مفتوح للمواطنين للإبلاغ عن المخالفات.
تغليظ العقوبات الميدانية الفورية على التجار أو سائقي النقل المخالفين للأسعار الرسمية، مع إعلان النتائج بشفافية لردع السلوكيات الانتهازية.
تخصيص رقم طوارئ موحد لتلقي بلاغات المواطنين حول رفع الأسعار غير المبرر في المحافظات.