في 3 يوليو 2025، أصدرت حركة سواعد مصر “حسم” تسجيلًا مرئيًا أعلنت فيه نيتها استئناف أنشطتها الإرهابية، بالتزامن مع الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية، هذا الظهور الإعلامي المفاجئ يُعد مؤشرًا مهمًا على احتمال إعادة تموضع التنظيم أو محاولة إحياء نشاطه المسلح، ما يستدعي قراءة دقيقة للمؤشرات والتداعيات المرتبطة به.
تُعد حركة “حسم” الذراع المسلح لجماعة الإخوان الإرهابية، وقد تأسست مطلع عام 2016، ونشرت أول بيان عسكري لها في يوليو من العام نفسه، معلنة مسؤوليتها عن اغتيال رئيس مباحث مركز مطاي بالفيوم. خلال الفترة من 2016 إلى 2019، نفذت الحركة سلسلة من عمليات الاغتيال والتفجير استهدفت ضباطًا في الشرطة والجيش، إلى جانب قضاة ومحافظين، في إطار تصعيد ممنهج ضد مؤسسات الدولة. لكن ابتداءً من عام 2019، تلقت “حسم” ضربات أمنية شديدة من قبل الأجهزة المختصة، أسفرت عن تفكيك العديد من خلاياها، وتجفيف مصادر تمويلها، والقبض على كوادرها الميدانية، مما أدى إلى توقف أنشطتها المسلحة فعليًا طوال السنوات الماضية.
ومع عودة التنظيم الإرهابي للظهور الإعلامي في عام 2025، فإن هذا التطور يعكس تغيرًا محتملًا في البيئة الداخلية والخارجية التي تتحرك فيها التنظيمات المسلحة المرتبطة بالإخوان، ويفتح الباب أمام تقدير جديد لمستوى التهديد الأمني، وأبعاد أي تصعيد محتمل خلال المرحلة المقبلة.
المؤشرات والدلالات:
تغيرات في الخطاب الإعلامي: حمل الإصدار الأخير للحركة بعنوان «سبيل المؤمنين: هذا هو الطريق» نبرة تعبئة وتمجيد للعنف؛ فقد تضمن الفيديو والذي بلغت مدته 3 دقائق و38 ثانية أناشيد حماسية وشعارًا مكتوبًا «قادمون» مصحوبًا بمشاهد لتدريبات عسكرية عبر استخدام أسلحة رشاشة وخفيفة ومتوسطة وقذائف مضادة للدروع وقذائف هاون لعناصر ملثمين، وفي ختام الفيديو وجهت الحركة رسالة تهديد مباشرة، حاملةً مفردات تؤكد أن “الأرض دخلت طورًا جديدًا” وأن مصر “ليست بمعزل عن هذه المعركة” ضد خصومها، في إشارة واضحة إلى ربطها الأحداث الجارية في فلسطين – خصوصًا في غزة – وبين الأوضاع السياسية الداخلية في مصر، حيث تؤشر هذه التعبئة الخطابية إلى محاولة استنهاض معنويات عناصر الحركة وحلفائها، كما تعكس تسعيرها للأزمات الإقليمية لصالح خطابها التعريفي والدعائي.
التوقيت السياسي للإصدار: جاء الإعلان في ذكرى الثالث من يوليو 2025، أي بعد 12 عامًا من بيان 3 يوليو 2013 الذي أنهى حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، مما يجعل توقيت الإصدار ليس مصادفةً، فقد اختارته الحركة للتذكير بمرحلة هزيمة الإخوان وإيهام الجمهور بقدرتها على العودة، كما يستغل السياق الإقليمي المتوتر إذ جاء في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، وتعتبر الحركة أن هذه المعطيات الإقليمية تشكل محركًا لاستئناف أنشطتها، حيث يشير الفيديو إلى أن انتصارات المقاومة الفلسطينية وهزائم خصومها “تجعلها ترسل رسائل للصديق والعدو بأن زمن الاستكانة قد انتهى”.
طبيعة اللغة والربط بالقضية الفلسطينية: استخدم الفيديو لغة تحريضية متماهية مع خطاب المقاومة الفلسطيني؛ فقد أشارت الحركة بشكل صريح إلى عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023 واصفةً إياه بأنه “تجسيد لهزيمة الجيش الإسرائيلي”، كما نبهت إلى أن الأحداث في غزة وسوريا والحدود الغربية لمصر تجعل البلاد جزءًا من “هذه المعركة”، وهذا الربط الصريح بين “معركة فلسطين” والوضع المصري يهدف إلى تقديم خطاب الحركة على أنه امتداد لقضايا الأمة، وقد يُستخدم لاستمالة فئات معينة من الشباب المتعاطف مع القضية الفلسطينية.
السياق التاريخي والعنف الرمزي: لم يظهر تنظيم “حسم” مؤشرات عمل مسلح منذ انكساره الأمني عام 2019، ولكن التاريخ السابق للحركة يشير إلى استخدام مكثف لوسائل الإعلام والدعاية قبل أي هجوم فعلي، فقد ظهر الإصدار الجديد كعرض إعلامي أكثر منه هجومًا ميدانيًا مباشرًا، والواقع أن الأجهزة الأمنية سبق أن أجبرت الحركة على تجميد عملياتها المسلحة بعد أن نجحت في تفكيك عشرات خلاياها، لذا فإن البروز الإعلامي الحالي قد يكون رسالة تحذير أو إعادة بناء للخطاب التنظيمي قبيل أي خطوات فعلية مستقبلية، حيث أن الحركة عادةً ما تطلق تصريحات وبيانات دعاية رمزية لمحاولة إعادة تعبئة أنصارها قبل القيام بأي عمليات عسكرية مجدداً.
التهديدات المحتملة:
استنهاض الخلايا النائمة وتجنيد جيل جديد: مع أن الحركة تعرضت لسلسلة من الضربات الأمنية التي حدت من نشاطها، إلا أن رزنامة تسجيلها الأخير تشير إلى احتمال تنشيط بعض الخلايا النائمة المتبقية أو استقطاب عناصر جديدة، فقد لا يزال التنظيم يحتفظ بخلايا وقدرة على استقطاب الشباب بفضل أموره المالية وحضوره الإعلامي، ما يفتح باب العودة جزئياً في حال تمكنه من إعادة التموضع أو الحفاظ على اتصالات سرية داخل مصر.
التأثير التحريضي على الفئات الهشة: يمكن أن يستهدف الإصدار الجديد، بطابعه الإعلامي المُكثف، فئات شبابية معرضة للتطرف أو أشخاص يعانون من انعدام الأفق، مما قد يزيد من القاعدة الاجتماعية للحركة، حيث تستفيد الجماعات المتطرفة تاريخيًا من الإعلام الممول لنشر رسائلها، والحالة الراهنة تشير إلى أن لدى “حسم” القدرة على بث دعواتها عبر شبكات التواصل والمنصات الإعلامية الموالية، وهذا الأمر قد يُسهل عملية التشجيع على التطرف بين الفئات الضعيفة اجتماعياً ورضخها لدعوات العنف كبديل وحيد لتحقيق المطالب أو الانتقام.
استهداف المنشآت الحساسة والشخصيات الأمنية: من أبرز مخاوف هذا السياق إمكانية إعادة استهداف مؤسسات الدولة الحيوية أو القيادات الأمنية التي لطالما كانت هدفاً للحركة، فقد نفذت “حسم” سابقاً عمليات اغتيال وتفجير ضد مسؤولين أمنيين بارزين مثل محاولة اغتيال مفتي الجمهورية السابق علي جمعة والنائب العام المساعد السابق المستشار زكريا عبد العزيز. وفي الإصدار الأخير توعدت الحركة صراحة باستهداف السجون التي يُحتجز فيها أعضاء جماعة الإخوان، ما يضع السجون على رأس قائمة الأهداف المحتملة في المستقبل القريب. إضافةً إلى ذلك، تبقى مقرات الشرطة والجيش ومحطات الوقود والطاقة والبنية التحتية الحساسة مستهدفة دوماً في تصنيفات التهديد الإرهابي التي تبناها تنظيمات مماثلة.
السيناريوهات المتوقعة:
تصعيد رمزي إعلامي دون تنفيذ عمليات فعلية (الأكثر ترجيحًا): يرجح هذا السيناريو أن تكتفي حركة “حسم” في المرحلة الحالية بتصعيد رمزي عبر الخطاب الإعلامي، دون تنفيذ عمليات إرهابية فعلية، ويبدو أن الغاية من إصدارها الأخير لا تتعلق بالقدرة على استئناف العمل المسلح، بل تهدف أساسًا إلى إعادة تثبيت وجودها داخل المشهد السياسي والأمني بعد سنوات من الانكماش والتفكك، وتسعى الحركة من خلال هذا التصعيد إلى إظهار جاهزيتها المعنوية والنفسية، والتلويح بأنها لا تزال حاضرة “إذا لزم الأمر”، رغم أنها في واقع الحال تفتقر حاليًا إلى الإمكانيات العملياتية والتنظيمية التي تسمح لها بتنفيذ هجمات ذات طابع مؤثر، كما يُستخدم الخطاب التعبوي لتغذية شعور بالاستمرارية داخل قواعدها التنظيمية. بالتالي، يُعد الإصدار المرئي الأخير نموذجًا واضحًا لهذا النمط من التحرك، حيث تضمن رسائل تحريضية دون أية إشارات مؤكدة على تحركات ميدانية فعلية، مما يعزز فرضية أن “حسم” تمارس حاليًا نوعًا من التهديد الإعلامي المُوجه أكثر من كونها على أعتاب تصعيد عسكري.
توظيف الحركة كورقة ضغط سياسية (احتمال قائم): ينطلق هذا السيناريو من فرضية أن حركة “حسم” لا تتحرك بقرار ذاتي مستقل، بل يتم توظيفها من قبل أطراف خارجية – سواء سياسية أو تنظيمية – كورقة ضغط على الدولة المصرية، في سياق التوترات المتصاعدة داخل الإقليم، لا سيما فيما يتعلق بالملف الفلسطيني. لا يُشترط في هذا السيناريو تنفيذ عمليات ميدانية من قبل الحركة، إذ يكفي إحياؤها إعلاميًا وتقديمها كرمز تهديد محتمل، بما يسمح بإرسال رسائل ضغط إلى الدولة المصرية، أو التشويش على المسارات السياسية والدبلوماسية للدولة خارجيًا. ويُدار هذا النوع من التحرك عبر وسائل الإعلام والدعاية، وهو ما ظهر بوضوح في الإصدار الأخير الذي حمل نبرة تعبئة وتحدٍ، دون تقديم مؤشرات عملية على قدرة التنظيم على الفعل الميداني. ورغم غياب أدلة قاطعة على تنسيق خارجي مباشر حتى الآن، فإن طبيعة التحالفات الإقليمية المتغيرة، إلى جانب خبرة بعض الأطراف الإخوانية في استخدام التنظيمات المسلحة لأهداف سياسية تعزز واقعية هذا السيناريو.
استئناف محدود للنشاط المسلح (مستبعد حاليًا):يفترض هذا السيناريو أن بعض خلايا “حسم” قد تسعى إلى استئناف محدود للنشاط المسلح من خلال تنفيذ عمليات صغيرة النطاق تستهدف رموزًا أمنية أو منشآت حساسة، باستخدام تكتيكات فردية أو خلايا معزولة يصعب تعقبها، ويستند هذا الاحتمال إلى وجود مؤشرات ضمن الإصدار الأخير للحركة، مثل عرض تدريبات عسكرية في مناطق مجهولة، مما قد يُفهم منه أن التنظيم حافظ خلال فترة سكونه على مستوى معين من التأهيل الميداني، إلا أن هذا السيناريو يظل ضعيف الاحتمال في المرحلة الراهنة، نظرًا لافتقار الحركة إلى بنية تنظيمية صلبة داخل مصر، وغياب أية دلائل ملموسة على استعادة قدرتها على التسلل أو التموضع الأمني، كما أن تنفيذ عمليات محدودة سيكون على الأرجح استجابة فردية أو ناتجًا عن تحرك غير مركزي، دون قدرة على الاستمرار أو التصعيد. لذلك، فإن استئناف النشاط المسلح من قبل “حسم” يبدو سيناريو مستبعدًا في ظل المعطيات الراهنة، ولا يُتوقع أن يتجاوز – إن حدث – نطاق التحرك الرمزي المحدود.
التوصيات الاستباقية:
تعزيز المراقبة الأمنة: تكثيف عمليات الرصد الأمني لتحركات التنظيم، من خلال متابعة منشوراته وبياناته، وتحليل محتوى الفيديوهات والرسائل الاتصالية لرصد أنماط الخطاب ورصد المؤشرات المحتملة على التخطيط لعمليات، مع تعزيز مراقبة التحويلات المالية المرتبطة بأنشطة التنظيم، وتتبع حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما أن الإصدار الأخير أشار إلى تدريبات وتجنيد عناصر باستخدام وسائل اتصال آمنة، ويتطلب ذلك تنسيقًا وثيقًا بين الأجهزة الأمنية الوطنية والدولية لتبادل المعلومات بشكل فوري، وتحديد أي روابط محتملة مع تنظيمات إخوانية أو متطرفة في الخارج.
التنسيق الإقليمي: تعزيز التنسيق المصري–الإقليمي في مجالات ضبط الحدود وتبادل المعلومات، خاصة عبر مراقبة الشريط الحدودي مع قطاع غزة، وتوسيع التعاون الأمني مع الدول المجاورة لتأمين الممرات المحتملة إلى سيناء وغزة، كما يستوجب التنسيق مع أجهزة الأمن في ليبيا والسودان، لمنع تسلل عناصر التنظيم واختراق شبكاته في الإقليم، ويشمل هذا التعاون تبادل المعلومات حول الجهات الممولة ومنصات الدعاية، ما يُعد ضرورة استراتيجية لردع أي دعم خارجي محتمل لمسلحي “حسم”.
حملة إعلامية مضادة: إطلاق حملة إعلامية مضادة ومُنظمة تهدف إلى تفكيك خطاب التعبئة الذي يروجه التنظيم، وذلك من خلال إنتاج تقارير وبرامج توعوية تفضح أكاذيبه وتكشف أجندته الحقيقية، مع التركيز على استغلاله لقضية فلسطين كغطاء لأهدافه العدائية ضد الدولة المصرية، مع دعم الإعلام الرسمي والمحلي في إبراز جهود الدولة المصرية تجاه دعم القضية الفلسطينية، بما يُسهم في فضح تلاعب “حسم” برمزية القضية لخدمة أهدافه الدعائية، كما يُستحسن متابعة وتفنيد الشائعات التي يروج لها التنظيم بشكل سريع واحترافي على المنصات الرقمية، واستهداف منابر قادته بحملات رقابية وإعلامية لتتبع أنشطتهم وكشف مصادر تمويلهم، وتُعد هذه الاستراتيجية الإعلامية جزءًا تكميليًا من الجهود الأمنية والإقليمية، إذ تسهم في تقويض القاعدة الشعبية للتنظيم وتفكيك بنيته الرمزية من الداخل.
إن تفعيل هذه المسارات مجتمعة لا يسهم فقط في إحباط التحرك الدعائي لتنظيم “حسم”، بل يُعزز من قدرة الدولة على إدارة التهديدات الهجينة التي تتخذ من الرمزية الإعلامية أداة للضغط السياسي والتأثير المعنوي. ومن ثم، فإن التعامل المبكر والممنهج مع هذا النوع من التصعيد، هو الخيار الأمثل لتحجيم مخاطره ومنع تحوله إلى تهديد فعلي في المستقبل.
الخلاصة:
يكشف الإصدار المرئي الأخير لتنظيم “حسم” الإرهابي عن محاولة مكشوفة لإعادة تدوير الخطاب المسلح، دون أن يتضمن دلائل ملموسة على امتلاك قدرات عملياتية ناضجة أو بنية تنظيمية متماسكة، فمن حيث التوقيت والمحتوى، يبدو الإصدار أقرب إلى “رسالة دعائية بغطاء عسكري” تستهدف إثارة الضجيج الإعلامي واستغلال السياقات الإقليمية الحساسة، ولا سيما في ضوء قدرة فصائل المقاومة الفلسطينية على احراج القوة الإسرائيلية، الى جانب نجاح تنظيم “هيئة تحرير الشام” في ترسيخ نفوذه داخل سوريا.
ويبدو أن التنظيم يسعى، في ظل ضعفه البنيوي وانكماش دوائر الدعم المحيط به، إلى استعادة حضوره من خلال الفضاء الإعلامي، في محاولة لتعويض غيابه عن الميدان. غير أن هذا التصعيد الرمزي ينطوي على مخاطر مرتدة، أبرزها فقدان ما تبقى له من غطاء سياسي أو تعاطف خارجي، فضلًا عن إحراج الأطراف الإقليمية الداعمة وكشف نواياها أمام المجتمع الدولي.