شهدت العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والقارة الأفريقية تحولًا استراتيجيًا خلال العقدين الماضيين، تجلى ذلك في توسع ملحوظ في التعاون العسكري والأمني، مدفوعًا بتحديات القارة المزمنة كالإرهاب، النزاعات المسلحة، وتهريب السلاح. وفي هذا السياق، رأت أبو ظبي في البيئة الأمنية الهشة لأفريقيا فرصة لتعزيز حضورها الجيوسياسي عبر تصدير صناعاتها الدفاعية المتطورة، وتقديم الدعم الفني واللوجستي، كما برزت الإمارات كفاعل رئيسي في سوق التسليح الأفريقي من خلال مجموعة من الشركات ما مكنها من الجمع بين النفوذ العسكري والمصالح الاقتصادية في مناطق استراتيجية كالبحر الأحمر والساحل الأفريقي. هذا التوسع العسكري لا يقرأ بمعزل عن أهداف أوسع ترتبط بتثبيت موقع الإمارات كقوة إقليمية ذات امتداد دولي، تستخدم “الدبلوماسية الدفاعية” كأداة لتأمين مصالحها الاقتصادية، وبناء شراكات سياسية طويلة الأمد داخل القارة.
يسعى هذا التقدير إلى تحليل الدور العسكري المتصاعد للإمارات في أفريقيا، من خلال استعراض أدوات نفوذها، وأهدافها الاستراتيجية، وأبرز الشركات الدفاعية العاملة في القارة، كما يرصد خارطة انتشارها الجغرافي وتداخل المصالح الأمنية بالاقتصادية. وفي ظل التنافس الإقليمي والدولي المتنامي، يقدم التقدير رؤية استراتيجية لتعزيز الحضور الدفاعي في أفريقيا، ويستشرف مستقبل الدور الإماراتي في ضوء التحولات السياسية والأمنية بالقارة.
أولًا: التحول الإماراتي من الاستيراد إلى بناء صناعة دفاعية متقدمة
حتى أوائل الألفية الثالثة، كانت الإمارات تعتمد بشكل شبه كلي على استيراد منظوماتها الدفاعية من دول الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إلا أن المتغيرات السياسية والأمنية الإقليمية، والتقلبات في مواقف موردي الأسلحة، دفعت أبوظبي إلى إعادة تقييم معادلة الأمن الوطني، وتبني سياسة تعتمد على تطوير قاعدة تصنيع عسكري وطنية تمكنها من امتلاك قراراتها الدفاعية بشكل مستقل، وتعزيز السيادة الدفاعية، وتقليل التبعية الخارجية، وتكريس دور الإمارات كقوة إقليمية قادرة على التأثير والمنافسة في سوق الدفاع العالمي.
جاءت الخطوة التالية في مسار التحول عبر الاستثمار المنهجي في البنية التحتية الصناعية اللازمة لتطوير وتصنيع المعدات الدفاعية، بما يشمل المصانع، مراكز البحث والتطوير، ومرافق الاختبار، وارتكزت الاستراتيجية الإماراتية على دمج أحدث التقنيات، مثل الذكاء الاصطناعي، والتحكم عن بعد، والتقنيات السيبرانية، في تصميم وتطوير الأسلحة، ما منحها ميزة تنافسية في إنتاج نظم دفاعية ذكية ومتعددة الاستخدامات.
وإدراكًا لأهمية المعرفة التكنولوجية في تعزيز الاستقلالية، عملت الإمارات على بناء شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات الدفاعية العالمية، بهدف نقل التكنولوجيا وتوطينها، وتدريب الكوادر المحلية، كما تم إنشاء برامج تدريب متخصصة لتأهيل جيل جديد من المهندسين والفنيين الإماراتيين، إلى جانب تأسيس مراكز أبحاث تدعم الابتكار في مجالات التصنيع العسكري.
نتيجة لهذا التطور، تحولت الإمارات من مستورد تقليدي إلى مصدر فعال للأنظمة الدفاعية المتقدمة، فقد بدأت بتوقيع عقود تصدير مع عدد متزايد من الدول في أفريقيا وآسيا وأوروبا، ما عزز من حضورها الدولي كمورد موثوق للأسلحة والمعدات العسكرية، وتعد الصفقة الموقعة في فبراير2025 مع دولة المجر إحدى دول الناتو لتزويدها ببنادق قنص من إنتاج إماراتي دليلًا واضحًا على الارتقاء بالمكانة الصناعية والدفاعية للدولة إلى مستوى دولي متقدم.
لم يقتصر التحول الإماراتي على التصنيع فقط، بل شمل أيضًا تطوير منظومة متكاملة لخدمات ما بعد البيع، تشمل الصيانة، التحديث، وتوفير قطع الغيار، ما يعزز استدامة المنتجات الدفاعية المصدرة ويزيد من اعتماد الدول المتلقية عليها.
ثانيًا: لماذا تولي الإمارات اهتماماً خاصاً بتصدير الأسلحة إلى أفريقيا؟
تركز الإمارات على تصدير أسلحتها وتعزيز وجودها العسكري في أفريقيا لأسباب استراتيجية متعددة، تتجاوز مجرد التجارة الدفاعية، ويأتي أبرزها:
- تعزيز النفوذ السياسي والدبلوماسي: تسعى الإمارات لترسيخ مكانتها كقوة إقليمية ذات تأثير دولي، ويعد بيع الأسلحة لدول أفريقية أداة فعالة لبناء تحالفات استراتيجية، فمن خلال تقديم الدعم العسكري، تتمكن أبو ظبي من تعميق علاقاتها مع حكومات أفريقية، والتأثير في سياساتها ومواقفها في المحافل الدولية.
- الاستفادة من الفراغ الأمني في أفريقيا: كثير من الدول الأفريقية تواجه تهديدات من جماعات مسلحة وإرهابية، ولا تملك الموارد أو البنية التحتية الدفاعية الكافية لمواجهتها، حيث تستغل الإمارات هذا الفراغ لتقديم نفسها كـ”مزود موثوق” للدعم العسكري، مما يتيح لها الاستفادة من ثروات وموارد هذه الدول.
- دعم مصالح اقتصادية وتجارية أوسع: الوجود العسكري الإماراتي لا ينفصل عن مصالحها الاقتصادية، حيث أن العديد من الدول الأفريقية غنية بالموارد الطبيعية (مثل الذهب والنفط واليورانيوم) وتمتلك موانئ استراتيجية، إذ أن دعم الحكومات المحلية عسكريًا يسهل وصول الإمارات إلى هذه الموارد والأسواق، ويمنحها أولوية في المشاريع والبنية التحتية.
- التوسع في سوق السلاح كمصدر دخل: أفريقيا تعد واحدة من الأسواق الصاعدة في مجال التسلح، والإمارات تحاول أن تكون منافسًا لعدد من الدول الإقليمية عبر تقديم أسلحة بأسعار أقل، وبشروط أكثر مرونة، كما أن بيع الأسلحة يحقق أرباحًا مالية ويعزز من مكانة الشركات الدفاعية الإماراتية عالميًا.
- بناء وجود عسكري واستراتيجي في البحر الأحمر: تمثل أفريقيا قاعدة متقدمة للإمارات لمراقبة الممرات البحرية المهمة، خاصة في البحر الأحمر وخليج عدن حيث أن وجودها الدفاعي هناك يساعد على حماية مصالحها التجارية وشركاتها العاملة في النقل البحري والطاقة.
- التحكم غير المباشر في نتائج الصراعات: عبر دعم فصائل أو جماعات محلية معينة، تستطيع الإمارات التأثير في مجريات الصراعات لصالح حلفائها، مما يمنحها قدرة على إدارة النفوذ وتوجيه الأوضاع السياسية بما يخدم مصالحها على المدى البعيد.
ثالثًا: أبرز الشركات الدفاعية الإماراتية ودورها المتنامي في السوق العسكرية الأفريقية
شهدت السنوات الأخيرة تناميًا ملحوظًا في حضور الشركات الدفاعية الإماراتية داخل أفريقيا، في ظل توجه استراتيجي تقوده أبوظبي لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي عبر أدوات القوة الصلبة، وقد لعبت هذه الشركات دورًا محوريًا في تصدير منظومات دفاعية متنوعة، تتراوح بين المركبات المدرعة والطائرات المسيرة وأنظمة المراقبة المتقدمة، ونستعرض فيما يلي أبرز هذه الشركات:
- مجموعة ستريت Streit Group: تعد من أقدم وأكبر الشركات الإماراتية المتخصصة في صناعة المركبات المدرعة، حيث تأسست عام 1992، تقدم الشركة مجموعة واسعة من المركبات المقاومة للألغام والمركبات المصفحة المصممة للاستخدام في العمليات العسكرية والأمنية، وقد استطاعت الشركة أن تفرض حضورها في أفريقيا من خلال تزويد القوات النظامية وشبه النظامية بمركبات توفر الحماية في البيئات القتالية عالية الخطورة، كما تشارك الشركة في جهود نقل التكنولوجيا وبناء الشراكات الصناعية لتعزيز الاعتماد المحلي على التصنيع الدفاعي.
- شركة نمر NIMR: التابعة لمجموعة EDGE، تعتبر من أبرز الشركات التي تقدم حلولًا متقدمة في المركبات العسكرية المدرعة، خاصةً تلك المصممة لحروب المدن ومكافحة الإرهاب، تميزت مركباتها بقدرتها على التكيف مع التضاريس الصعبة ومقاومة الكمائن، ما جعلها خيارًا مفضلًا للعديد من الجهات الأمنية والعسكرية الأفريقية، وقد ساهم انتشار مركبات نمر في ترسيخ السمعة التقنية للصناعات الدفاعية الإماراتية داخل القارة، بفضل موثوقيتها وتكلفتها المنافسة مقارنة بالأنظمة الغربية.
- مجموعة ايدج EDGE Group: تمثل الذراع الحكومية الأوسع للإمارات في مجال التصنيع الدفاعي، حيث تضم تحت مظلتها عددًا كبيرًا من الشركات المتخصصة في الأنظمة الجوية والبرية والبحرية، ومن خلال شراكات متعددة، تقدم EDGE مجموعة من المعدات الدفاعية الذكية والطائرات بدون طيار، إلى جانب أنظمة دفاعية موجهة وأنظمة مراقبة متقدمة، وما يميز دورها في أفريقيا ليس فقط تصدير المعدات، بل أيضًا انخراطها في اتفاقيات تعاون طويلة الأمد تشمل التدريب، الدعم الفني، وتطوير البنية التحتية الأمنية.
- المجموعة الدولية المدرعة International Armored Group (IAG): تُعد من الشركات النشطة في إنتاج المركبات المدرعة ذات الاستخدام الأمني والعسكري، وتقدم الشركة حلولًا مخصصة لمهام حماية القوافل، السيطرة على الشغب، ومكافحة الإرهاب، مع تركيز خاص على تصميم مركبات تتماشى مع بيئات الصراع ذات الكثافة العالية، كما أن وجود IAG في أفريقيا يدعم القدرات المحلية للجهات الأمنية، ويعزز من مستوى الحماية في مواجهة التهديدات المعاصرة مثل العبوات الناسفة والكمائن المسلحة.
- شركة إنكاس لتصنيع المركبات المدرعة Inkas Armored Vehicle Manufacturing: تركز على تطوير مركبات مدرعة متقدمة تستخدم في المهام الأمنية والعسكرية، خاصة في ظروف النزاع والحرب غير النظامية، وتشتهر إنكاس بتقديم مركبات مضادة للألغام وناقلات مدرعة متعددة الوظائف تلبي الاحتياجات التشغيلية الحديثة، ويأتي تواجد الشركة في أفريقيا في سياق دعم عمليات مكافحة التمرد، ورفع كفاءة القوات في التعامل مع التهديدات الداخلية المتزايدة.
- شركة كالدس Calidus: برزت كلاعب جديد نسبيًا في الصناعات الدفاعية الإماراتية، وحققت حضورًا قويًا بفضل تقديمها حلولًا جوية وبرية مبتكرة، ومن أبرز منتجاتها الطائرات الهجومية الخفيفة، بالإضافة إلى عربات مدرعة مصممة لتناسب متطلبات العمليات القتالية السريعة في المناطق المعقدة. وتُعد كالدس جزءًا من التوجه الإماراتي لإدخال أنظمة دعم جوي مرن وفعال إلى ساحات القتال في أفريقيا، مما يعزز التكامل بين القدرات الجوية والبرية.
رابعًا: خارطة النفوذ العسكري الإماراتي في أفريقيا
تتنوع خارطة التدخلات الإماراتية في أفريقيا من حيث الأهداف، ومستوى الانخراط، ونوعية الشراكات، حيث يمكن تقسيم الدول الأفريقية المتأثرة بالحضور العسكري الإماراتي إلى ثلاث فئات رئيسية:
- دول تشهد انخراطًا غير مباشر للإمارات في سياقات أمنية معقدة: في عدد من الدول الأفريقية التي تواجه تحديات أمنية وصراعات داخلية، انتهجت الإمارات سياسة دعم غير مباشر تهدف إلى تعزيز حضورها الإقليمي من خلال تقديم مساعدات عسكرية أو لوجستية لأطراف محلية، ففي السودان، وُجهت انتقادات لأبوظبي بشأن مزاعم دعمها لمليشيا الدعم السريع عبر توفير تجهيزات ميدانية. وفي مالي، أشارت بعض التقارير إلى دعم إماراتي للحكومة في جهودها لمكافحة الإرهاب، مع إشارات إلى وجود تنسيق غير مباشر مع أطراف فاعلة دوليًا. أما في إثيوبيا، فقد نُقل أن الإمارات قدّمت دعمًا لوجستيًا خلال الصراع بين الحكومة وجبهة تحرير تيجراي في عام 2020، في سياق موقفها الداعم للاستقرار المؤسسي في البلاد.
- دول تتدخل فيها الإمارات لحماية مصالحها الاقتصادية: تعد العلاقة بين الأمن والاستثمار الاقتصادي من أبرز ركائز الاستراتيجية الإماراتية في أفريقيا، ففي موزمبيق، تقدم الإمارات دعماً أمنياً مباشراً لحماية مشاريع الغاز الطبيعي في منطقة كابو ديلغادو، والتي تتعرض لهجمات من متمردين مسلحين، وفي غينيا الاستوائية، ترتبط صفقات السلاح بعقود نفطية طويلة الأمد، كما تعمل مع تنزانيا على تطوير وتأمين موانئ استراتيجية مثل ميناء باغامويو، بما يخدم مصالحها التجارية والأمنية في شرق أفريقيا، ما يبرز البعد الاقتصادي للسياسة الدفاعية الإماراتية
- دول مستقرة تقيم معها الإمارات شراكات استراتيجية عسكرية: في الدول الأفريقية التي تتمتع بمستوى عالٍ من الاستقرار السياسي والأمني، تتبنى الإمارات نهج الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد، والذي يرتكز على التعاون في مجالات التصنيع العسكري المشترك، والتدريب الفني، ونقل التكنولوجيا الدفاعية، ففي رواندا، تم توقيع اتفاقيات تهدف إلى إنشاء مصانع لإنتاج الأسلحة بشكل مشترك، إلى جانب تزويد كيجالي بطائرات بدون طيار من طراز RW-24 لتعزيز قدراتها الاستخباراتية والهجومية، أما في أنجولا، فقد أبرمت الإمارات صفقة دفاعية كبرى بلغت قيمتها نحو 1.3 مليار دولار، وشملت توريد طائرات هجومية خفيفة من طراز CALIDUS، بالإضافة إلى أنظمة اتصالات متقدمة وحلول دفاع سيبراني، ما يعكس عمق الانخراط الإماراتي في تطوير البنية الدفاعية للدول الشريكة.
خامسًا: تقييم ملامح الاستراتيجية العسكرية الإماراتية في أفريقيا
- التركيز على النخب مقابل غياب الحضور الشعبي: تميل الإمارات في سياستها الأفريقية إلى بناء علاقات وثيقة مع الأنظمة الحاكمة والنخب العسكرية، مما منحها قدرة على الوصول إلى دوائر صنع القرار وعقد شراكات سريعة، خاصة في مجالات التسليح. وعلى الرغم من فاعلية هذا النهج في المدى القصير، إلا أن محدودية التواصل الشعبي قد تشكل تحديًا على المدى البعيد، لا سيما في حال حدوث تحولات سياسية أو تصاعد حساسيات تجاه التدخلات الخارجية، مما قد يؤدي إلى تراجع تدريجي في التأثير والنفوذ.
- تداخل الأمن والاقتصاد في الحضور الإماراتي: تلجأ الإمارات إلى توظيف أدواتها الأمنية والعسكرية لدعم مصالحها الاقتصادية في أفريقيا، من خلال تأمين الاستثمارات وتسهيل الوصول إلى الموارد، ورغم ما يتيحه هذا التكامل من فرص لتعزيز النفوذ، إلا أن تغليب الأبعاد الأمنية على الجوانب التنموية قد يؤدي إلى شراكات غير متوازنة، ويطرح تحديات تتعلق بصورة الدولة واستمرارية تأثيرها على المدى البعيد.
- محدودية البُعد التنموي في الحضور الإماراتي: على الرغم من التوسع العسكري والأمني الملحوظ للإمارات في أفريقيا، يظل الجانب التنموي محدود الحضور ضمن هذه الاستراتيجية، إذ تتركز معظم الأنشطة في المجالين العسكري والأمني، مع غياب واضح للاستثمار في قطاعات أساسية مثل التعليم والصحة، ويُعد هذا التركيز الأحادي تحديًا استراتيجيًا قد يُضعف من التأثير طويل المدى، ويعزز تصورات خارجية تربط الدور الإماراتي بالنفوذ الصلب أكثر من الشراكة التنموية المستدامة.
- تجنب الانتشار الواسع الغير فعال: حيث تركز الإمارات تدخلاتها بشكل انتقائي على المناطق الأفريقية ذات الأهمية الجيوسياسية الكبيرة، مثل القرن الأفريقي والبحر الأحمر، نظرًا لأهميتها الحيوية لمصالحها التجارية والبحرية، وللتنافس مع قوى إقليمية أخرى، ويعكس هذا التوجه وعيًا استراتيجيًا بالموقع والموارد، حيث تسعى أبوظبي إلى تعزيز نفوذها في المناطق التي تضمن لها أكبر تأثير بأقل تكلفة سياسية وعسكرية. ورغم أن هذا النهج قد يحد من انتشارها في مناطق أخرى أقل أهمية جيوسياسية، إلا أنه يضمن لها حضورًا نوعيًا مركزًا ومؤثرًا بدلاً من انتشار واسع وغير فعال.
سادسًا: أربعة مسارات استراتيجية لمستقبل الصناعات الدفاعية الإماراتية في أفريقيا
- المسار الأول: التوسع الجغرافي والانتشار في مناطق جديدة: وذلك من مساعي الإمارات التوسع نحو دول الغرب والجنوب الأفريقي، بعد أن رسخت وجودًا قويًا في القرن الأفريقي وحوض النيل، ويأتي هذا التمدد مدفوعًا بجملة من العوامل، أبرزها تصاعد التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، إلى جانب انسحاب أو تراجع بعض القوى الغربية، ما يفتح المجال أمام لاعبين جدد، وتعد دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو من أبرز المحطات التي تسعى الإمارات لترسيخ علاقات دفاعية معها، مستفيدة من ضعف البنى التحتية العسكرية في هذه الدول، وحاجتها إلى دعم خارجي لا يقترن بشروط سياسية صارمة.
- المسار الثاني: التطوير التكنولوجي والابتكار: يمثل التطوير التكنولوجي والابتكار مستقبل الصناعات الدفاعية الإماراتية في أفريقيا، حيث تركز الدولة على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي وأنظمة المراقبة المتقدمة في معداتها العسكرية لتعزيز القدرات التشغيلية والدقة في الميدان، كما تولي الإمارات أهمية متزايدة للأمن السيبراني، مستثمرة في بناء حلول متكاملة تحمي البنى التحتية الدفاعية من الهجمات الإلكترونية، ما يجعلها مواكبة لأحدث التطورات العالمية في مجالات الحرب الإلكترونية والدفاع الرقمي، ويعزز مكانتها كلاعب رئيسي في صناعة الدفاع المستقبلية.
- المسار الثالث: تنويع المنتجات الدفاعية لتلبية احتياجات أفريقيا: تدرك الشركات الدفاعية الإماراتية أن السوق الأفريقية ليست موحدة، بل تتنوع فيها الاحتياجات من حيث التحديات الأمنية، مستوى التقدم التكنولوجي، والبنية التحتية. لذا، من المتوقع أن تركز الإمارات على إنتاج مركبات مدرعة مقاومة للألغام والعبوات الناسفة مخصصة للتضاريس الوعرة والبيئة الحارة والجافة في كثير من مناطق أفريقيا، وتطوير أنظمة جوية خفيفة بدون طيار (درونز) لأغراض الاستطلاع، تأمين الحدود، ومكافحة التهريب، بخصائص تقنية أقل تعقيدًا وتكلفة أقل، وتوفير معدات مراقبة ومراقبة إلكترونية قادرة على العمل في مناطق نائية تفتقر للبنية التحتية التقنية.
- المسار الرابع: تكييف المنتجات مع طبيعة الصراعات في أفريقيا: تعاني الكثير من الدول الأفريقية من نزاعات غير نظامية، وتمردات داخلية، وتهديدات إرهابية، مما يجعل الحلول التقليدية أقل فعالية. لهذا، من المتوقع أن تركز الإمارات على المرونة في التصميم من إنتاج معدات متوسطة إلى خفيفة الوزن سهلة النقل والنشر في بيئات متغيرة، وتطوير تقنيات تستخدم في المدن، مثل أجهزة الرصد والتحكم، المركبات الصغيرة المدرعة، والطائرات بدون طيار للمراقبة قصيرة المدى.
سابعًا: رؤية استراتيجية متكاملة لتعزيز الحضور الدفاعي في أفريقيا
في ظل تنامي الحضور الدفاعي لدولة الإمارات في القارة الأفريقية، تصبح الحاجة ملحة أمام عدد من الدول الإقليمية لتبني مقاربة استراتيجية شاملة، تتكامل فيها أدوات التعاون العسكري مع الاستثمار الاقتصادي والدبلوماسية النشطة، ويمكن ترجمة هذه المقاربة عبر مجموعة من السياسات المقترحة التي تراعي خصوصية السياق الأفريقي وتوازنات النفوذ القائمة.
- تعزيز التعاون العسكري والاستثمار في الصناعات الدفاعية المحلية
-
- توقيع شراكات دفاعية ثنائية مع الدول الأفريقية تقوم على تقديم صفقات شاملة تتضمن منح، قروض ميسرة، ونقل تكنولوجيا، ما يسهم في بناء ثقة استراتيجية طويلة الأمد مع الجيوش الأفريقية.
- توطين التصنيع الدفاعي عبر إقامة مصانع مشتركة داخل القارة، تشمل خطوط إنتاج لمركبات مدرعة، ذخائر خفيفة، وطائرات مسيرة، مع تدريب الكوادر المحلية ونقل المعرفة الفنية.
- تطوير البنية التحتية اللوجستية الدفاعية، مثل إنشاء مراكز صيانة وإصلاح إقليمية أو قواعد دعم فني، لضمان استدامة العمليات وتوفير الدعم في الوقت الفعلي.
- استخدام الأدوات الاقتصادية والاستثمارية لتعزيز النفوذ الدفاعي
-
- استثمار في البنية التحتية المدنية (طرق، موانئ، طاقة) كجزء من حزمة دفاعية شاملة، بهدف خلق ارتباط اقتصادي يدعم العلاقات العسكرية.
- توقيع اتفاقيات تجارية تفضيلية تسمح بتخفيض رسوم الواردات مقابل شراء المعدات الدفاعية من الدول المنافسة.
- دعم القطاعات الحيوية مثل الزراعة والطاقة المتجددة ضمن رؤية أمن شامل، مما يعزز من الاعتماد المتبادل ويخلق بيئة سياسية أكثر مرونة أمام التعاون الدفاعي.
- تفعيل الدبلوماسية العامة والثقافية
-
- برامج تدريبية وأكاديمية للنخب العسكرية والمدنية عبر تقديم منح دراسية في مجالات الأمن، الهندسة، والتكنولوجيا الدفاعية، ما يسهم في بناء نفوذ طويل الأمد داخل دوائر اتخاذ القرار.
- الاستفادة من الروابط التاريخية والثقافية، مثل اللغة والديانة والروابط الثقافية، لبناء علاقات قائمة على الثقة والولاء التاريخي.
- الابتكار في مجالات الأمن غير التقليدي
-
- تعزيز القدرات السيبرانية عبر توفير بنى تحتية متقدمة، تدريب متخصص، ونظم دفاع إلكتروني، حيث يُعد الأمن السيبراني مجالًا حيويًا.
- دعم مبادرات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة من خلال فرق تدريب خاصة، تقنيات استشعار واستطلاع متقدمة، وأنظمة ذكاء اصطناعي لتحليل التهديدات في الوقت الحقيقي.
- تطوير حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل المراقبة الذكية، تحليلات البيانات الأمنية، وتوجيه الطائرات بدون طيار، وهو مجال يمكن أن يشكل ميزة تنافسية كبيرة ضد عروض منخفضة التكلفة لا تعتمد على التقنيات المتقدمة.